هذا الحجيج لإسرائيل
والوجبة "البسيخسيكوفِزيُلوجيّة" وما بعدهما !
تشهد الشهور الأخيرة وستشهد القريبة حجيجا لا سابق له لإسرائيل من الرؤساء ونواب الرؤساء والوزراء وحتى المرشحين للمناصب المختلفة في بلاد الغرب، فلا تكاد تغيب "قفا" حاج منهم لإسرائيل حتى يطلّ رأس آخر، وهكذا دواليك رأس في "قفا" وبالمعنى الشمال- فلسطيني لا المصريّ للكلمة
الرئيس الأميركي والذي سيعود قريبا، ونائبه والمرشح الرئاسي الجمهوريّ وعندما يتفرغ قليلا المرشحون الديموقراطيون من المؤكد أننا سنرى الفائز منهم يحط رحاله في بلادنا المقدسة حقا ومجازا، الرئيس الفرنسيّ، الرئيس التشيكي، المستشارة الألمانيّة، وزير الخارجيّة الروسيّ، والقافلة طويلة لم تنته بعد وتتعدّى ال-40% فوق الأوضاع العاديّة على حسب مصادر وزارة الخارجيّة الإسرائيلية
والمحطات الثابتة للحجيج هذا إثنتان أضيفت لهما ثالثة في الفترة الأخيرة، الأولى بيت " يد فشيم- مركز الهولوكوست" والثانية "حائط الهيكل" الغربيّ(!) أمّا المُضافة فهي "سديروت"
وترى الضيف في الأولى باهتا مبديا آيات من الندم على ما اقترفه آباؤه في حق هذا الشعب وفي الثانيّة ضارعا إلى الله بعد أن يحشو ورقته بين حجارة الحائط طالبا المغفرة من الله لأجداده من الرومان هَدمةِ الهيكل الثاني، واعدا إياهم أن يعمل ما بوسعه حماية لبقايا الهيكل حتى يغفر لهم الله يوم القيامة شرّ أعمالهم
أمّا في الثالثة فحزينا بعض الشيء غاضبا على القسّام متوعدا
وإذا كان الضيف أميركيا وله مركز أمنيّ أو سيكون له مثل هذا المركز فمحطّة رابعة، جولة في طوّافة على طول "الخط الأخضر" ليرى عن قرب عرض إسرائيل أو "عِرضها" والخطر المحدق والخوف على ومن أن يُهتك هذا العرض!
بعد هذه الوجبة الساخنة "البسيخسيكوفزيلوجيّة" جدا، تبدأ المحادثات مع الضيّف عن الخطر الإيرانيّ-الحماسيّ-الحزباللائي والمحرقة وسديروت في الذهن، وعن الخطر العربيّ الفلسطيني والحائط وهشاشة العرض في الذهن، وطبعا من خلال التعريج على ال-"الناين اليفين" وأنفاق لندن وحرائق باريس ومحطات قطار أسبانيا ومسرح الشيشان والغاز السريّ
يعرّج هؤلاء "المسائيل" على بقيّة فلسطين فيما تبقى لهم من وقت ولضيقه يعتذرون، هذا إذا طلب منهم أصلا، عن زيارة مركز "دير ياسين" ووو
ومن زيارة قبر "محمد البرعي" أبن الأربعة أشهر الذي مزقته قنابل مصانعهم ذات الماركة العالميّة
كلّ ذلك بعد أن يكونوا قد عرّجوا على الأصدقاء في المنطقة مرتاحين من طول سفر وجامعين طاقة لما ينتظرهم في إسرائيل، أو قبل أن يعرّجوا راحة لأنفسهم من الوجبة "البيسخسيكوفيزيلوجيّة" التي أكلوها حارقة في إسرائيل
أمّا ما بعد هذا الحجيج !
من نافل القول أن نقرر أن إسرائيل هي رأس الحربة في الصراع الذي أوجدته الرأسماليّة الغربيّة بينها وبين الجنوب الإسلاميّ، بعد أن سقط الصراع مع الشرق الشيوعيّ، ولم يبق من مغفل في هذا السياق إلا الشعب الإسرائيلي والذي لم ينفع معه حتى الآن "أضعف الإيمان":
"أنه لو فعلا أراد ساستك حماية سديروت وأشكلون لقبلوا التهدئة حلا، ولكن كيف يقبلونها وفي غزّة حكم إسلاميّ هو التجربة الأولى والوحيدة في العالم العربيّ ويجب أن يفشل أو يُفشل، وعلى هذا يتفق حكامك وضيوفهم وأصدقاؤهم في المنطقة وأنت يترتّب عليك دفع ثمن"!
يختلف المراقبون الإسرائيليون بعد رفع الحواجب وتحريكها في شتى الاتجاهات حول أسباب ودواعي هذا الحجيج الكميّ غير المسبوق، فيروح بعضهم يعلل النفس بمرور 60 سنة على الدولة وما هذا الحجيج إلا زيارات مجاملات وتهاني بالمناسبة، وآخرون يعيدون ذلك إلى قدرة أو أو شطارة رئيس وزرائهم ببناء العلاقات الاجتماعية مع الرؤساء والزعماء في الدول من خلال زياراته الكثيرة، ويروح سيئو الظّن منهم فيعزون هذه الشطارة لهروب منه إلى الأمام من الساحة الداخليّة ولفت الأنظار عن وضعه المتردّي داخليا، وليصير حديث الناس عن دموع "ميركل" بدلا عن دموع الأمهات على أبنائهم في حرب لبنان أو دموع خوفهن في حرب غزّة، أمّا البعض الآخر فيعلل النفس بالمكانة الهامة لهم ولدولتهم على الساحة الدوليّة فيجيء الحجيج من وجهة نظرهم طلبا لودّها من الزعماء الغربيين ولغيرهم من الزعماء "المستغربين" الذين يطمحون في موائد الغرب وبوابتهم هي إسرائيل بكل ما تمثله
كل ما جاء يمكن أن يكون صحيحا ولكن صحته أو عدمها هما جزئيان، إذ أن هنالك شيء ما كبير وخطير يطبخ في هذه الزيارات وعلى أعلى المستويات، إمّا سلام مشوه يلبّي حاجات إسرائيل كرأس حربة في الشرق لغرب يرى مصائبه شرقيّة، وإمّا حرب شعواء تلبي حاجات إسرائيل والغرب كذلك، والإمكانيّة الثانية هي الأقرب إلى الحدوث أخذا بالحسبان الذهنيات والمصالح المشتركة للحجاج وبيت الحجيج
وعلى الذين من المتوقع أن يكونوا أتون هذا السلام وأتون هذه الحرب أن يتأهبوا، لأن السلام والحرب المطبوخين على موائد هذا الحجيج يمكن أن تكونا فاصلتين لمدى غير منظور