الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 00:02

إضراب أكتوبر في البلاد بين السياسة والاقتصاد/ بقلم: د. سامي ميعاري

كل العرب
نُشر: 27/09/12 11:29,  حُتلن: 12:44

 د. سامي ميعاري في مقاله:

المجتمع العربي يظل حاضرا بقضاياه العادلة ويبقى حياً متفاعلاً مع ما تمر به البلاد من أحداث

نبدد إمكاناتنا ونحد من قدراتنا وندفن بأيدينا مصادر قوتنا وكأن تاريخ الثورات الشعبية لم يلقنا درساً في ثقافة الرفض

الجدوى الاقتصادية للإضراب تستدعي وجود مقارنة بين حجم الفائدة الاقتصادية التي سيحققها الإضراب والضرر الذي سينجم عنه

الكنيست ليس المنصة الوحيدة لمطالبنا وليس هو مكبر الصوت الأوحد للتعبير عن مشكلاتنا وليس خيارنا الوحيد فهنالك منصات اجتماعية احتجاجية أخرى يمكنها توصيل صوتنا

أعتقد أن على لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية للسلطات المحلية إعادة ترتيب الأوراق من جديد والنظر بعمق ووطنية ومهنية فقرارهم هذا لم يكن في مصلحة المجتمع العربي وخدمته


اتخذت لجنة المتابعة العربية داخل الخط الأخضر، واللجنة القطرية للسلطات المحلية قرارها بعدم الإضراب في ذكرى هبة أُكتوبر، مكتفية بالمسيرات التي تحيي ذكرى الشهداء الذين ارتقوا في مثل هذه الأيام من العام 2000 ... فيما تنهمر مجموعة من الأسئلة عن الجدوى السياسية والاقتصادية المتعلقة بهذا القرار. وعن الدوافع الكامنة وراء إغفال أحد أشكال النضال السلمي الحضاري العريق ألا وهو الإضراب، فيما يمر مجتمعنا بأصعب المراحل وأقسى المنعطفات... لقد كان الإضراب شكلاً من أشكال التعبير السلمي عن الرأي، وهو أداة يسعى من خلالها المضربون إلى إيصال رسالة إلى المجتمعين: المحلي والعالمي.


فعلى الصعيد المحلي يظل المجتمع العربي حاضرا بقضاياه العادلة، ويبقى حياً متفاعلاً مع ما تمر به البلاد من أحداث، وعلى الصعيد العالمي يكون المجتمع العربي قد استقطب مكونات المشهد الدولي الذي أغفلنا كثيراً وكاد يضعنا كأقلية على رفوف النسيان. وقد خاض أبناء هذه البلاد تجارب شتى مع الإضرابات التي منها ما كان جزئيا ومنها ما كان شاملا ومنها ما استمر لأيام متقطعة ومنها ما استمر لأشهر، وقد كانت كلها مؤثرة وأوصلت رسالتها. وكان دائما ذا أثر عميق وله تداعيات متفاعلة، بدءا بإضراب العام ستة وثلاثين الشهير الذي استمر ستة شهور وهز أركان بريطانيا العظمى آنذاك وشمل مرافق الحياة كلها، مرورا بإضراب العام ستة وسبعين الذي اشتهر فيما بعد بيوم الأرض الخالد وهو جزء من تاريخنا المعاصر جدا وقد أحدث تغييرا في نمط علاقة المؤسسة مع المجتمع العربي وله في ذاكرتنا مساحية باقية ما بقينا وما بقيت هذه البلاد.

إقصاء الإضراب وإهماله
وكذلك كان الإضراب سلوكا حضاريا وسلميا مارسته معظم الشعوب التي خاضت نضالا سياسيا واجتماعيا مثل الجزائر وغيرها من البلدان.... فلماذا نحن نقصي هذه الأداة ونهملها؟ فيما تتوفر لدينا اليوم آلة إعلامية هائلة لم تكن تحظى بها الإضرابات قديما ما يعزز من تأثيره في ظل هكذا وسائل إعلامية متعددة لا حصر لها من فضائيات وانترنت وعدسات الهواتف النقالة. فالتغطية الإعلامية الهائلة المتاحة اليوم تجعل من أية خطوة جماهيرية محط أنظار الجميع، وتلفت الانتباه إلى هذه الجموع الراكنة تحت مستوى خط الفقر وتسمع أصوات الجياع والمقهورين إلى أبعد الحدود...
لقد كان تزامن الإضراب مع مسيرة الاحتجاج في ذكرى هبة أكتوبر فرصة للتعبير عن الوضع البائس الذي أفضت إليه هذه البلاد وهذه الجماهير المحتقنة بالغضب، كان في تضامنها مع أسر الشهداء مناسبة لائقة للتعبير عن المشكلات المعيشية في المجتمع العربي، إلى جانب التعبير عن وضع السلطات المحلية السيء جدا ومآزق أصحاب النفوذ.

التجربة النضالية السلمية
كما أن في تنفيذ هكذا إضراب فرصة لنقل هذه التجربة النضالية السلمية إلى الأجيال الجديدة الشابة بشكل حضاري. لكننا وبكل بساطة نبدد إمكاناتنا ونحد من قدراتنا وندفن بأيدينا مصادر قوتنا، وكأن تاريخ الثورات الشعبية لم يلقنا درساً في ثقافة الرفض. وفي مثل هذه الظروف بالذات كم نحن بحاجة لسياسات مواجهة منها الإضراب، خاصة في ظل حكومة يمينية متطرفة كهذه الحكومة؟ لقد أثبت تاريخ العرب داخل الخط الأخضر بأن الكنيست ليس المنصة الوحيدة لمطالبنا وليس هو مكبر الصوت الأوحد للتعبير عن مشكلاتنا وليس خيارنا الوحيد، فهنالك منصات اجتماعية احتجاجية أخرى يمكنها توصيل صوتنا...

اللجنة غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية
فوجود لجنة المتابعة العليا كجسم يرعى شؤوننا خارج إطار الكنيست هو إحدى المؤسسات التي كنا نطمح لأن تمثل المجتمع العربي كأفضل ما يكون، وهذا يستوجب أن تكون قراراتها نافذة وغير خاضعة للابتزاز ولا تعرف في الحق لومة لائم. فاتخاذ موقف موحد لإعلان الإضراب صادر عن لجنة المتابعة العربية واللجنة القطرية من المفترض أن يكون الموقف الأقوى في البلاد والخيار الانسب وغير مصلحة أبناء المجتمع العربي لا يجب أن يكون في أجندتهم. ولكن كما يبدو – وللأسف – فإن هذه اللجنة غير قادرة على اتخاذ هكذا قرارات مصيرية.
هذا من الناحية السياسية، فإذا ما حاولنا استجلاء الناحية الاقتصادية المتعلقة بفكرة إضراب هبة اكتوبر، فمن المؤكد أن التساؤل عن خطورة الربح والخسارة قائم في كل خطوة يخطوها الفرد والجماعة. ومن المعروف لدينا بأن الجدوى الاقتصادية للإضراب تستدعي وجود مقارنة بين حجم الفائدة الاقتصادية التي سيحققها الإضراب، والضرر الذي سينجم عنه. وهذه مسألة معضلة ومشكلة معقدة ليس من السهل الإجابة عنها، بسبب النقص الحاد لدينا في توفر المعطيات الاقتصادية الكلية، فكيف يمكن أن نقدر الفائدة الاقتصادية للإضراب؟

السياسة الاقتصادية
يجب الأخذ بالحسبان عند مناقشة هذه القضية عدد العمال العرب الذين يستوعبون في القطاع العام ، وزيادة اجور العمال في المناطق المختلفة، إلى جانب الامتيازات التي يحصل عليها العمال العرب وميزانيات المجالس المحلية وكذلك توسيع مناطق النفوذ للسكان العرب وإيجاد المناطق الصناعية المميزة داخل المجتمع العربي. أما بالنسبة للسياسة الاقتصادية فليس من باب الصدفة أن جميع حكومات إسرائيل المتعاقبة تتبع سياسات السوق الإثنية ( العِرقية)، اي وجود السوق العربية المهمشة في مقابل السوق المركزية ( اليهودية) التي تتركز فيها جميع المرافق الاقتصادية في الدولة، من مصانع وشركات تحدد الأسعار في إسرائيل وتتحكم بها.

هذه السياسة لم تكن وليدة الصدفة، لأن إسرائيل تقصد بذلك أمرين:
الأول – أن يظل العامل العربي على دكة الاحتياط رهين الطلب للسوق المركزية ومعرضا للتسريح من عمله حال تدهور الوضع السياسي وهذا ما أثبتته دراسات عديدة منها ما قمت به بنفسي.
الثاني – إبقاء النمو الاقتصادي لمجتمعنا دون القدرة على التأثير على الاقتصاد المركزي اليهودي.
وعند مراجعة حسابات الجدوى السياسية والاقتصادية للإضراب في ظل المعطيات السابقة نصل إلى نتيجة مفادها أن عدم إعلان الإضراب كان القرار الخطأ، الذي اقترفته القيادة.
فالأول من اكتوبر يصادف يوم عيد لدى المجتمع اليهودي بمناسبة (عيد العرش) أي أن جميع العمال العرب هم في إجازة مدفوعة الأجر فالضرر المتخوف منه بإقالة عدد من العمال إن هم أضربوا في مثل هذا اليوم هو تخوف غير مبرر وغير موجود. لقد كانت الجدوى السياسية للإضراب متحققة ... فيما كان الضرر الاقتصادي منتفيا لو توفرت الإرادة الحرة لاتخاذ قرار موحد ومسؤول بالإضراب في مثل هذا اليوم لأن دماء الشهداء تستحق التضامن السلمي على اقل تقدير.
لذا أعتقد أن على لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية للسلطات المحلية إعادة ترتيب الأوراق من جديد والنظر بعمق ووطنية ومهنية فقرارهم هذا لم يكن في مصلحة المجتمع العربي وخدمته. وهذه الدعوة من المؤكد بأنها ليست تشكيكية أو تخوينية بقدر ما هي تصحيحية وتصويب للنهج والمسار وليس أحد فوق الانتقاد بعد الله وأنبيائه.

موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.net 

مقالات متعلقة

.