الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 01:02

كميل شحادة يكتب على منبر العرب:الفرادة والتميّز

كل العرب
نُشر: 23/08/12 18:38,  حُتلن: 08:40

السعي للتفرد عادة هي من صفات الطامحين للعلو والتميز .. هم لا يريدون أن يكونوا مشابهين للآخرين كما لو كانوا وحدة بناء نسقية مشابهة للوحدات الأخرى في البنيان .. انهم ينفرون ويضيقون بالتشابه مع الغير، فيسارعون للخروج من النسق ومن القطيع ومن البنيان.. ولا يفعلون ذلك الا ليعودوا مجددا بصورة مختلفة، مختلفة عن العادي وعن الدارج وعن المألوف، بصورة متميزة عن الكثرة وعن السواد.. وللتفرد والتميز اساليب وصور ونماذج ومجالات عديدة، هناك من يسعى في المجال الرياضي ليصبح بطلا متفوقا، وهناك من يسعى في المجال الثقافي، الذي يشمل العلم والأدب والشعر والفن بمجالاته، والفكر والفلسفة والسياسة والاجتماع الخ ..

التميز والتفرد
وهناك ربما من يورط نفسه بكسر مزراب العين لكي يبرُز بتميز ما.. وفي الواقع هناك نوعين او مستويين في المبدأ للتفرد والتميز، مستوى يطلب التميز والتفرد كقيمة شخصية، وأن توسل صاحبها الاخلاق والقيم الاجتماعية والانسانية والثقافية الخ ..أما النوع الآخر - وهو الاقل طلبا - من لا يبحث عن التميز والتفرد اصلا، لكنه يصل ذلك عرضا وبطبيعة المقام الذي يطلبه ويحصل عليه، من حيث طلبه لحقيقة وجوده المطلقة، لا شخصه الزائل، وهو مضاد مبدئيا للسعي للتميز والتفرد كمعطى من المفهوم ومن المجال الحسي والاجتماعي.. وفي الحقيقة هذا النوع هو الذي شغلني ويشغلني منذ "انطلاقة في العرفانية التجاوزية" مرورا "بوهم النموذجية الاعتقادية في ضوء التحقق العرفاني" وسوى ذلك من محاولات وتجارب وتأملات " لم تخرج للضوء" .. وإن كنت لا ازال دون ذاك الطلب في العزم والسعي والتحقق ويعوزني الكثير الكثير، الا أن الوعي متابع بقلق وترصد وتعقب وتشوق، وهو مستشرف بتحقق لهذا الحق ولهذا القائم في صميمه.. ولا ازال اعلق على الحق وعلى الايام أملا بظفر ونصر في ذلك.. فالتفرد هنا هو إفراد وتخليص وعتق لجوهر الوجود في الذات والكون، من شرك ومن حجاب انعكاساته وظهوراته العرضية في الحياة المادية والاجتماعية على السواء.

جوهر الوجود
وهذا يتم للروح الخالص كجوهر واع بذاته لذاته، منسلخا عن النفس وعن الشخص ككيان مشترك عرضي متحول ومتغير ومتفارق عبر جدل الطين والفكر والشعور.. وهذا المقام لا يُطلب كحظوة وكمركز "أنا" متفوق في مجتمع غارق في سيكلوجية التنافس على اللقب والصفة والشهرة والاعجاب وسائر الدواوين الصبيانية في جوهرها .. فالجوهر المطلوب هو جوهر الوجود لكل موجود في الحقيقة، وهو قائم ويجب اكتشافه، والاصح استعادة اكتشافه فينا وفي كل شيء، من حيث سبق وجوده وحضوره الازلي الابدي، وليس في الأمر اختراع لفكرة جديدة، أو إبداع تحفة من لا شيء، او لبحث عن الذات كما بالمفهوم الثقافي والاجتماعي السطحي، وإنما إعادة كشف لجوهر الوجود من خلال عملية تأمل متجردة هادئة هاجسة باحثة عن الحق وعن الحقيقة - فينا اولا - "لنعرف الثمرة قبل غرس الشجرة" .. وأول خطوة تتمثل في بذل كل جهد داخلي واع لرفع مستوى طلب الوجود وطلب الحرية والسعادة والحق والجمال، من المادي المباشر، مرورا بتجاوز المعنوي الشخصي، الى المجرد الأسمى، غير المتميز في ذاته من شخص لآخر، وهو قائم في كل شيء.. وهذا يستوجب صراعا ضد اوهام النفس وضد الأفكار والمفاهيم المكتسبة الخاطئة عقائديا واجتماعيا، بغض النظر عن الجغرافيا والعرق والمذهب والزمن، إذ التعامل هنا مع حقيقة الوجود المطلقة، وليس مع فلسفة معينة ومع ايمان واعتقاد حول ذلك.. وهذا يتم مرورا بحالات ومقامات واحوال ومعاناة، في عروج جدلي متصاعد.

محطة إستراحة
ولا بد للمعاناة المضادة لهذه المعاناة الشريفة، من ايقاظنا يوما على الوعي والتحقق بعبثية وجودنا في العالم المادي، والا وإن طال استمراء لذائذ جهنم دهر آخر، سيأتي الكون الى نهايته ليتفكك في الوعي المطلق للوجود، وهي محطة إستراحة غير مقدرة زمنيا على طريق ولادة الكون وموته المتجددين ابداً .. على هامش هذا الطرح يمكننا أن نتصور قيمة وجدوى ومعنى السعي للتفرد والتميز التشخصني السطحي السائد، والذي يقوم على الظهور، ويتمثل بحيثية لا واعية، في سعي المرء لإستيلاد وإستخراج صورة وهمية حلمية لجوهره - الذي لا يُتصور- وتلبيسه بها على هيئة نفسية وحسية متميزة.. هكذا يتحول جوهر الانسان الى دمية بيد طفل يلهو ويلعب بها مفتخراً، وقد تتمثل الدمية بكتاب، بمركز، بوظيفة، بمهنة، بدرجة علمية، برتبة عسكرية، بسيارة، بامراة، بشهادة، بفيلا، ببرنامج توفير ..الخ وكم مضى على الانسان من تضييع للوقت والطاقة والمال وهو لايزال عاكف على جوهره في غير جوهره. وفي ضوء نظرة تاريخية للانسان وللتطور، نرى أن المقام الذي يتواجد فيه الانسان كانسان، هو مقام الوسط ،بين الحيوان غير الواعي لعبوديته الغرائزية، وبين الجوهر الواعي المطلق الحر.

البهيمية والوحشية
والمقام الوسطي هنا هو المقام الشقي، المقام الشَّرَكي والشِّرْكي حيث القيم الاخلاقية الاجتماعية تحول بين الانسان وبين الاقبال الكلي الحر على البهيمية والوحشية، وفي المقابل هو غير واع، أو غير قادر على تحصيل جوهره المطلق فهما وتحريرا وسعيا .. إلا بالنسبة للندرة كبعض حكماء التصوف واليوغا والحكمة والفيدنتا، والزن وسوى ذلك ..أن الذي ينقص البشرية عموما منذ وجدوا كبشر، هو خطوة واحدة اساسية لتطورهم بصورة عميقة وجذرية، تتمثل في السيطرة على الشهوات البهيمية من خلال فهم حقيقتها وحقيقة علاقتهم العرضية الإنعكاسية بها، للتحرر منها ولتجاوزها الى جوهر وجودهم المطلق. لكن البشر يتطورون بأدواتهم، دون عقولهم الجوهرية ووجداناتهم وضمائرهم وقلوبهم، وهي– أي ادواتهم - كناية عن امتداد تعويضي بيلوجي غير مباشر لتطور الحيوان والوحش الذي توقف عن التطور البيلوجي منذ مليوني عام واكثر، يطلق أظافر وانياب ومخالب حجرية ونحاسية وحديدية، تتطور الى كيماوية وغازية وذرية والكترونية. فالوحش فينا يتطور وهو يفتّح ويوسع نطاق طموحاته افقيا وسطحيا في الخارج الحسي، بإستيحاء خاطىء وغرضي وعرضي للمطلق الجوهري فيه .وهكذا نحن من صدمة كارثة طبيعية الى صدمة كارثة حربية، ولا نستيقظ ونحاول تنظيم شرورنا واخضاعها لقوانين "إلهية" وضعية، ولقوانين وضعية مدنية، وهكذا لا نجد تحد ورادع من حقيقة الذات نفسها، وهو ما نحاول اثارته دائما .

موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net

مقالات متعلقة

.