د. سامي ميعاري في مقاله:
سلوكنا في هذه المناسبات وخاصة في شهر رمضان سلوك يتناقض مع مراميه الأصلية مما يلقي علينا أعباء غير معقولة
المشكلة أن الناس يتعاملون مع رمضان على أنه شهر الملذات من الطعام والشراب من اللحوم والفواكه والحلويات ومن المرطبات
زيادة المصروف في شهر رمضان تعادل ثلاثة أشهر فيما يعادل مصروف العيد ودخول المدارس شهرا آخر فيكون العجز بمقدار أربعة أشهر بمتوسط عام
تخيم على أجوائنا ظلال شهر رمضان الكريم الذي جعل الله أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقاً من النار، ويتزامن حلول الشهر الفضيل في هذه الأعوام مع فصل الصيف الذي ينتهي بالتزامن مع الاستعداد لدخول المدارس بعد عيد الفطر السعيد، وهذا يعني أن ثلاث مناسبات سوف يكون استحقاقها في فترة زمانية متلاحقة لا تتجاوز شهراً ، ففي منتصف آب يكون الشهر الفضيل قد أوشك على الانتهاء فيما يستعد الناس لاستقبال عيد الفطر وتبعاته، وما أن تنتهي إجازة عيد الفطر حتى يستعد الناس لبدء العام الدراسي الجديد وما يلقيه ذلك من تبعات واستعدادات.
سلوك متناقض
ومن المفترض أن الله – سبحانه وتعالى – أراد من الصوم في رمضان أهدافاً أعمق من التي نمارسها نحن وأراد أن يعلمنا دروساً أسمى من التي توقفنا عندها وفي العيد قيم أراد ترسيخها تتجاوز بكثير ما نقوم به نحن. فسلوكنا في هذه المناسبات وخاصة في شهر رمضان سلوك يتناقض مع مراميه الأصلية مما يلقي علينا أعباء غير معقولة إذ أن المشكلة تكمن في طريقة تصرفنا لا في الشعائر نفسها. فمن الناحية الاقتصادية يكون مصروف الأسرة العربية في شهر رمضان ثلاثة أضعاف مصروفها في الشهر العادي، أضف إلى ذلك مصروفات العيد الباهظة ومتطلبات التحاق الأبناء بالمدارس حتى تجد أن هنالك عجزا في موازنة الأسرة العربية مقداره أربعة أشهر لأن زيادة المصروف في شهر رمضان تعادل ثلاثة أشهر فيما يعادل مصروف العيد ودخول المدارس شهرا آخر فيكون العجز بمقدار أربعة أشهر بمتوسط عام.
إرتفاع أسعار المأكولات
إذن فالدخل يتوزع على اثني عشر شهرا فيما الإنفاق يعادل ستة عشر شهراً وهذا ناجم عن سوء إدارة مالية في الشهر الفضيل. المشكلة أن الناس يتعاملون مع رمضان على أنه شهر الملذات من الطعام والشراب من اللحوم والفواكه والحلويات ومن المرطبات علما بأن ما تتلفه الأسر في القمامة يفوق بكثير ما تستهلكه وهذا حرام مؤكد " ثم لتسألنّ يومئذ عن النعيم" قرآن كريم وتذكير النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: " لا تزولا قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع" ... فذكر من بينها : وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه". ومما يزيد الأمور تفاقماً هو غلاء الأسعار الذي تشهده الأسواق والمحال التجارية فترتفع أسعار المأكولات والخضار والفواكه والملابس خاصة قبل العيد ودخول المدارس وهذا يزيد العبء على العائلة المتوسطة في المجتمع العربي لذا فإنني أحث المستهلك الكريم على ترشيد الإنفاق وضبط الاستهلاك واقتصارها على الحاجة فقط وما هو ضروري حتى لا تغرق الأسرة في بحر متلاطم من الديون والأعباء والهموم التي تفسد على الإنسان فرحته بطاعة الله في رمضان وفرحته بالعيد وبالسنة الدراسية الجديدة، فرمضان شهر العبادة والطاعة والتقشف لله ومن أجل الشعور بالفقراء وللتدرب على الصبر الذي هو أكثر ما امتدحه الله والرسل والكتب السماوية فلماذا نخرج الأمور عن مقاصدها ولماذا نخلع عنها الثوب الحقيقي الذي اكتست به.
ثقافة الإنفاق الرشيد
على الأسرة العربية أن توفق بين قدرتها المالية ومصروفاتها من خلال ثقافة الإنفاق الرشيد مع التذكير بأننا شعب مستهلك غير منتج في الأصل فلا بد مرة أخرى من الاعتناء بترسيخ ثقافة الإنفاق المعتدل المتوازن من خلال التنسيق والتوازن بين الدخل والإنفاق، وقد لا يشعر الناس بهذا العجز المالي في موازنتهم إلا بعد انقضاء شهر رمضان. كما أنصح العائلة العربية بإنشاء ميزانية طوارئ تدخرها لوقت الضيق فهو القرش الأبيض الذي ينفعك في اليوم الأسود كما قال أجدادنا لأن ميزانية الطوارئ بمثابة بوليصة تأمين لمجابهة الأيام الصعبة التي تستجد فيها التزامات لم تكن في الحسبان، وهذا يقودنا إلى الدعوة لرسم خطة إنقاذ جانبية تخص الإنفاق هدفها مجابهة الالتزامات المتعددة التي تحتاج لتوفير جزء من الدخل الشهري.
أنت الذي تتحكم بجيبك وليس هو
إن على المشتري أن يتعامل مع الشراء على حسب قدرته لا على حسب رغبته فلو تركت الأمور للرغبات فهي غير محدودة ولا ضابط لها ولكن القدرة هي المعيار الذي يجب أن يستند إليه المشتري حتى لا يتم استدراجه إلى ما لا يحب من الأعباء والعجز المالي. إن التدافع على المجمعات التجارية الكبيرة والأسواق الرمضانية وأسواق العيد يجعل الناس لقمة سائغة للأسواق والتجار الجشعين الذين لا يعرفون الشبع كما أن زيادة الدخل التي تحققها بعض الأسر يجب ألا تجرهم إلى مزيد من الإنفاق فزيادة الدخل لا تعني زيادة الشراء لأن عليك أن تشتري ما أنت تريد وليس ما يريد البائع أنت الذي تتحكم بجيبك وليس هو، فالدعاية خداعة وفكرة الدعاية أصلاً أن تخدع وتجذب الآخرين ولم تكن الدعاية يوما تحتوي على الحقيقة لأن هذا ليس دورها بل جذب الناس تحت أي غطاء. إن هذه القضية تدفعنا إلى مناشدة الجهات الرقابية في البلاد لكبح جماح الغلاء خلال هذه المواسم التي تستهلك المستهلك.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.net