- إماطة الأذى-
لوحة 1:
إنها الثانية بعد منتصف الليل، سعيد وزوجته قلقان جداً على ابنتهما الصغيرة المريضة. بعد أن عانت طوال الليالي الماضية من حُمى شديدة، ها هي الآن تنام نوماً ملائكياً لم تذقه منذ فترة. أراد سعيد أن ينام لبضع ساعات، فقد أرهقته أعباء العمل والبيت. ما إن وضع سعيد رأسه على المخدة حتى استيقظ فزعاً على صوت بكاء ابنته المريضة بعد أن أفزعتها هي الأخرى أصوات الموسيقى الصاخبة وحركات المحرّك "المجنونة" التي يطلقها أبناء جيرانهم بسياراتهم كلّ ليلة. نظر سعيد من الشباك، هزّ رأسه وعاد ليطمئن على ابنته المريضة.
لوحة 2:
سعيد يقود سيارته متأخراً عن عمله بعد أن اضطرّ لاصطحاب ابنته المريضة إلى صندوق المرضى القريب صباحاً. حركة السير تسير ببطء. ينظر سعيد من الشباك ليتفحص الأمر، تعلو أصوات "الزامور" من السيارات الأخرى. الكل يسأل ما السبب. وإذا بشخصين يتبادلان أطراف الحديث في منتصف الشارع، وتعلو ضحكاتهم؛ ليعرقلا بذلك حركة سير كاملة!! والأدهى من ذلك أنّ أحدهما قد اعترض على أصوات الزامور قائلاً "على شو مستعجلين؟؟"
لقد أخبرنا النبي كثيراً عن إماطة الأذى عن الطرقات ، فعن أبي هريرة قال: قال رسول (الإيمان بضع وستون - أو سبعون - شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) (رواه مسلم والبخاري وغيرهما)، وعن أبي هريرة قال: قال النبي : عُرضت علي أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق. ووجدت في مساوىء أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن (رواه مسلم). وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله : كل سلامى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه شمس تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمل عليها متاعه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقة، ويميط الأذى عن الطريق صدقة (رواه البخاري ومسلم).
في تلك الأحاديث، اعتُبرت إماطة الأذى من شُعب الإيمان وأنواع الإحسان ومن أسباب دخول الجنان، ولكن في نظرة متفحصة لكلّ ما يجري في طرقاتنا سألتُ نفسي مرة، هل قصد الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، بأحاديثه عن إماطة الأذى ما نفهمه من "الأذى" في سياقه الضيّق؟ هل إماطة الأذى تتلخص في إزالة الحجارة والقمامة من الطريق فقط؟ هل تلك هي فقط الأذية في الطرقات والتي حرّمها رسولنا الكريم وأشار إليها في أحاديثه؟
بالطبع لا! يؤسفني ما تشهده طرقاتنا من مظاهر أذيّة مختلفة تُلحق الأذى بالمارة والتي لا يعتبرها كثيرون منا مصدر أذية ومضايقة، والتي تعدّت إلقاء النفايات وطرح القمامة والحجارة؛ لتصل بذلك إلى "تملّك" الطرق العامة وسدّها وعرقلة حركة السير وإزعاج الناس وترويعهم وانتهاك الحُرمات والجلوس على الطرقات !
لماذا باتت السيارة مجرد لعبة سهلة يعبث بها الشباب؛ لإطلاق الموسيقى الصاخبة "المجنونة" والحركات "البهلوانية" لترويع الناس وإزعاجهم؟ لماذا بات كثير من السائقين لا يعطون الطريق حقّه ولا يأبهون بذلك؛ بل يقومون بتعريض الآخرين للخطر؟ لماذا باتت الطرقات العامّة أماكن لجلوس بعض الشباب واطّلاعهم على شؤون الآخرين الخاصّة ومضايقة الفتيات؟ أين نحن من قول رسولنا الكريم حين قال (إيّاكم والجلوس في الطرقات ) فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بدٌّ نتحدث فيها، فقال رسول الله (فإذا أبيتم إلاّ المجلس فأعطوا الطريق حقه ) قالوا: وما حقّ الطريق يا رسول الله؟ قال: (غَض البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر). فالإسلام دين الحق، جاء نظاماً شاملاً لكلّ صغيرة وكبيرة، فهلاّ اتّبعناه ووقفنا وقفة صدق مع أنفسنا لنغيّر ونتغيّر إلى الأفضل، وننعم بحياة راقية هادئة أرادها الله لنا.
موقع العرب يفسح المجال امام المبدعين والموهوبين لطرح خواطرهم وقصائدهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع منبرا حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.net