الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الثلاثاء 12 / نوفمبر 23:01

نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في ع


نُشر: 22/02/07 08:59

نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب
بقلم: ناجي ظاهر

*يحاول الباحث الأدبي الدكتور سليمان جبران، في كتابه "نظرة جديدة على الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب" أن يؤصل للشعر الفلسطيني، ويقدم اجتهادات، في قراءته المجددة هذه، تستحق أن تكون مدار نقاشات موسعة، من اجل تعميق الرؤية إلى هذا الشعر


فيما يلي استعرض أهم ما ورد في الكتاب، واترك النقاش إلى مناسبة أخرى، يقول الباحث في تقديمه لكتابه، إن النية كانت في أول الأمر، القيام بدراسة للشعر الفلسطيني في إسرائيل، منذ عام 1948 حتى عام 1967، غير أن رأيه الدائم في أن الشعر الفلسطيني، في هذه الفترة، لم ينشا من فراغ وانه امتداد طبيعي، بشكل أو بآخر للشعر الفلسطيني في عهد الانتداب، دفعه للعودة إلى النظر في الشعر الفلسطيني" الانتدابي" محاولا تقصي مميزاته الأسلوبية، ليشكل بذلك تمهيدا ضروريا للدراسة التي يدور الحديث حولها، فقام بقراءة كل ما وصلت إليه يده من هذا الشعر ومما كتبه عنه آخرون، فوجد أن ما كتب عن هذا الشعر تحكمت فيه الأهواء أو الاعتبارات المجانبة للموضوعية، أضف إلى هذا أن معظم هذه الكتابات لم تتناول تلك الفترة التأسيسية في الشعر الفلسطيني بالتحليل النصي الموضوعي، وإنما انصرفت في غالبيتها إلى استعراض الظروف السياسية الشخصية لنشأة هذا الشعر وانعكاس ذلك في موضوعاته ومضامينه


هكذا وجد الباحث ما أراده أن يكون تمهيدا لدراسته، يطول ويطول، متضمنا- كما يقول- تقييمات جديدة وفيرة تقوم على اجتهادات خاصة ومخلصة ونظرة موضوعية منصفة في شعر تلك الفترة


يبدأ الباحث دراسته،  بالنظر في نهضة الأدب الفلسطيني وظروفها الموضوعية، ويرى أنها تأخرت واختلفت عما كانت عليه في كل من مصر ولبنان، جراء عوامل سياسية هامة، أولها في رأيه، أن فلسطين لم تكن كيانا سياسيا متميزا، حتى الحرب العالمية الأولى، وإنما كانت بحدودها الانتدابية منذ الفتح الإسلامي تشكل مع الأردن جندين من أجناد بلاد الشام، أضف إلى هذا أن فلسطين- كما يقول المؤلف- لم تكن كيانا مستقلا، لا قبل الإسلام ولا قبل المسيح في العصور القديمة، ذلك أن موقعها المتميز كان وبالا عليها عبر مراحل التاريخ المختلفة، بحيث غدت في تاريخها المديد ممرا للغازين والمستعمرين، خاضعة لهذا الفتح أو ذاك دون أن تعرف استقلال تاما أو استقرارا حقيقيا منذ فجر التاريخ


يرى الباحث في دراسته، أن الشعر الفلسطيني،  بمعناه الوطني الدقيق، لم يكتب قبل مطلع القرن العشرين وان ما كتبه شعراء فلسطين في القرن التاسع عشر، في معظمه، هو شعر إسلامي لم يجدد في مفاهيم الشعر أو مضامينه أو أساليبه، موضحا أن هذا الشعر لم " يعكس مجتمعا فلسطينيا وانتماء فلسطينيا"


ويخلص الباحث إلى أن بداية الشعر الفلسطيني الحقيقية كانت في مطلع القرن العشرين، وذلك استجابة لأحداث كبرى في المنطقة، أهمها المشروع الصهيوني الذي اخذ يتحقق للعيان، ثم الدستور العثماني سنة 1908، وأخيرا نشوب الحرب العالمية الأولى، وما رافقها من أحداث " الثورة العربية الكبرى" بقيادة الشريف حسين سنة 1916، ثم وعد بلفور سنة 1917 حتى بداية الانتداب البريطاني على فلسطين سنة 1922


ويرى الباحث أن أهم الأدباء الذين مثلوا المرحلة الأولى في الأدب الفلسطيني هم: محمد إسعاف النشاشيبي (1885-1947)، خليل السكاكيني (1878- 1922)، اسكندر الخوري البيتجالي (1890- 1973)، وخليل بيدس(1874-1949) ويوضح أن جميع هؤلاء "تثقفوا ثقافة عصرية، فعرفوا اللغات الأجنبية، الإنجليزية والروسية بوجه خاص، فكان ذلك عاملا هاما في تشكيل وعيهم السياسي والاجتماعي قبل الأدباء والشعراء الآخرين من مجايليهم


ويستعرض الباحث في مبحثه الثاني تحت عنوان" الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب" العوامل التي ادت إلى ظهور هذا الشعر وازدهاره، ويذكر منها انتهاء الحرب العالمية الأولى وما تمخضت عنه من ضرب لحلم" الدولة العربية" الذي نادى به رواد النهضة القومية العربية، في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وما أسفرت عنه هذه الحرب" والسنوات القليلة بعدها، عن خضوع فلسطين لانتداب بريطاني استمر حتى سنة 1948، في حدود" فلسطين الانتدابية" وعليها، بداء النزاع الطويل بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية، ثم الدولة اليهودية"


في مباحث الدراسة الأربعة المتبقية بعد الأول والثاني، يتوقف الباحث عند أربعة شعراء يمثلون، في رأيه، السعر الفلسطيني في عهد الانتداب، هؤلاء الشعراء هم:
* وديع البستاني ( 1888- 1954) وهو شاعر "لبناني المولد والعشيرة وفلسطيني الإقامة والتوطن"،  وصل إلى يافا، مساعدا مدنيا للكولونيل باركر، مع صدور وعد بلفور، غير انه ما لبث أن "تصدى للتحدي الانتدابي الصهيوني في فلسطين، مكرسا شعره وحياته للدفاع عن القضية الفلسطينية طوال فترة الانتداب" ما جعله يستحق، في رأي الباحث، اعتباره رائدا للشعر الفلسطيني، ويصف الباحث شعره بأنه تقليدي واضح يسير فيه صاحبه على نهج الكلاسيكيين الجدد، ويقول إن أسلوبه في شعره اقرب إلى شعر حافظ إبراهيم ومعروف الرصافي، منه إلى شعر احمد شوقي ومحمد مهدي الجواهري مثلا


* إبراهيم طوقان (1905- 1941) ويتفق الباحث مع سواه من الباحثين، في طليعتهم إحسان عباس، فيما يذهبون إليه من أن طوقان هو شاعر فلسطين الأول، ويرى، بعد استعراض لعدد من قصائده في طليعتها " الشهيد" وبعد التطرق إلى مميزات اتصف بها شعره، منها السخرية والفكاهة، والاستقاء من المقول الشعبي، إن هذا الشاعر ظفر بمكان الصدارة في الشعر الفلسطيني في عهد الانتداب، بما أنتجه من شعره فني راق وليس بالموضوعات السياسية فحسب، ويرى أن شعر طوقان، اقرب إلى مدرسة وسطى بين الكلاسيكية الجديدة بزعامة شوقي والرومانسية المشرقية لدى جماعة ابولو في مصر خاصة


* عبد الرحيم محمود(1913-1948) ويرى الباحث أن هذا الشاعر يمثل ظاهرة نبيلة نادرة في تاريخ الشعر الفلسطيني، والشعر العربي الحديث عامة، ذلك انه حمل "روحه على راحته" مقاتلا ضد الإنجليز والصهيونية في وطنه فلسطين وفي العراق أيضا،" كأنما هو تشي جيفارا العربي"، حتى استشهد في معركة الشجرة شرقي الناصرة سنة 1948، أما من الناحية الفنية فان الباحث يرى أن بعض النقاد تأثروا في تقيمهم لشعره وفنه بظروف حياته وباستشهاده في ساحة القتال، ويخلص الباحث إلى أن الشاعر امتلك " موهبة شعرية واضحة، لكن لم تتح لها أسباب النضج، ولم يحقق ما حققه أستاذه إبراهيم طوقان، في وطنياته من مستوى رفيع، ولم يستطع في غزله تحقيق قيمة فنية تستحق الذكر


* عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) (1909- 1980) ويستعرض الباحث في مبحث عنه عنوانه" إدمان الغنائية" أشعاره، ويقدم قصيدته المشهورة" انشر على لهب القصيد شكوى العبيد إلى العبيد" مثالا لهذا الشعر، ويرى أن هذه القصيدة اتصفت بأنها خطابية" مجلجلة" كما وصفها هو ذاته، موضحا أن أشعاره اتصفت، منذ بدياتها حتى نهاياتها، بأنه يسارية، ويقول الباحث إن قصائد الغزل شكلت نصف نتاج الشاعر، مشيرا أن غزله اتصف بأنه عذب غنائي" غير انه لم يخرج عن أساليب الغزل التقليدية، بل يمكن القول إن هذه الغنائية الطاغية كانت على حساب التجربة الحميمة والتجريد" ويرى أن غزله يذكر بشعر بشارة الخوري(الأخطل الصغير) في اعتماده على الموسيقى العذبة السائغة والألفاظ الناعمة والصور المنتقاة، وخلوه من التجربة والمعانانة العميقتين، حتى أن بعض قصائده لاقت طريقها إلى التلحين والغناء أيضا"


وينهي الباحث دراسته الجادة والمثيرة للجدل فعلا وليس كلاما فحسب، بقوله: هؤلاء الأربعة، في رأينا، من وضعوا الأسس الفكرية والفنية للشعر الفلسطيني في فلسطين والشتات، وفي إسرائيل أيضا، وإذا كان لا بد من إيجاز مميزات الشعر الفلسطيني قبل 48، فان مال يميزه هو الانخراط في الحياة السياسية والنضال الشعبي، والمناحي اليسارية، فكرا وصياغة، والاستقاء من اللغة العامية والمأثور الشعبي"

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.76
USD
3.99
EUR
4.79
GBP
330838.48
BTC
0.52
CNY
.