د.يسري خيزران في مقاله:
نظام البعث سيقاتل بأظافره وأسنانه حتى آخر رمق إقتناعًا منه أنه يواجه مؤامرة إقليمية-غربية
سقوط البعث في سوريا قد يكون تكرارًا للمشهد الفوضوي الذي أصاب العراق في أعقاب سقوط البعث هناك
الخطاب الرسمي عبّر عن قناعة بوجود مؤامرة تستهدف أمن سوريا ووحدتها الوطنية خصوصًا وأن قوى أقليمية عربية غير راضية عن تحالفات سوريا وسياستها في لبنان
مرت ثلاثة أشهر على اندلاع الإحتجاجات ضد نظام البعث الذي يتولى السلطة في سوريا منذ عام 1963، إلاّ أنه حتى الآن لم تظهر أيّة بوادر قد تدل على قرب سقوط النظام، أو على استعداده التخلي عن السلطة. ورغم إقرار النظام بشرعية المطالب التي رفعتها حركة الإحتجاج من حيث ظروف الحياة الاقتصادية ومسألة الحريات، والفساد والعقليه الامنيه التي تُحكم علاقة الحاكم بالمحكوم، إلاّ أن الخطاب الرسمي عبّر عن قناعة بوجود مؤامرة تستهدف أمن سوريا واستقرارها، ووحدتها الوطنية خصوصًا وأن هنالك قوى أقليمية عربية غير راضية عن تحالفات سوريا إقليميًا وسياستها في لبنان.
وفي الواقع فإنه في ذلك بعض المنطق وإلاّ فكيف يمكن للمرء أن يُفسر الحشد الإعلامي الذي تقوده الفضائيتان المملوكتان لأنظمة ملكيه خليجية عائلية (بعضها تمنع قانونًا وشرعًا المرأة من قيادة السيارة!) لصالح ثورة الديمقراطية والحريات في سوريا؟!
تآكل شرعية النظام
من الواضح أن المملكة العربية السعودية ومن يدور في فلكها يحاولون توظيف تآكل شرعية النظام بسبب القمع والفساد والمحسوبية والفقر من أجل إضعاف سوريا التي تعتبر الحلقة الأهم في القوى المتحالفة مع إيران. في ظل هذه القناعة التي عبّر عنها رأس النظام في أكثر من فرصة فإن نظام البعث سيقاتل بأظافره وأسنانه حتى آخر رمق إقتناعًا منه أنه يواجه مؤامرة إقليمية-غربية كتلك التي واجهتها سوريا في السابق بسبب مواقفها القومية الممانعة. فالنظام حتى الآن لم يُظهر أيّة بوادر يستشف منها تضعضعه أو تراجعه أمام المدّ الجماهيري. ما يُعزز هذه الثقة بالنفس التي قد تثير إستغراب الكثيرين هو تمسّك النظام إلى أبعد الحدود بخيار الحياة والبقاء. عدا عن ذلك فإن ولاء المؤسسة العسكرية حتى الآن وتوفر المظلّه الروسية ودعم الحلفاء الإقليميين واستبعاد إمكانية التدخل العسكري الغربي ضد سوريا، كل هذه العوامل إضافة إلى إستمرار بقاء دمشق وحلب بعيدتان عن دائرة المواجهات، تجعل النظام على قناعة بأنّه قادر على تجاوز الأزمة وإعادة بناء شرعيته وسلطته في كلّ أرجاء سوريا.
حياة الفرد والمجتمع
إضافة إلى ذلك، فأن العناصر السياسية والثقافية والتاريخية والإجتماعية والدينية التي تُكوّن المشهد السوري لا تجعل مسألة عملية سقوط النظام خطوة أولى نحو التأسيس لديمقراطية تعددية في سوريا أو الإنتقال نحو الدولة المدنية المنشودة، ذلك أن طبيعة النظام الحاكم في سوريا من جهة أولى وتعقيدات التركيبة الاجتماعية والمذهبية في سوريا من الجهة الأخرى تجعلان من سقوط النظام أو إنهيار سلطته وشرعيته في بعض المناطق أو المدن تطوّر قد يُدخل سوريا في نفق مظلم ينتهي إلى حرب أهلية أو فوضى عارمة حتمًا لن تنحصر تداعياتها في جغرافية القطر السوري. فسقوط البعث في سوريا قد يكون تكرارًا للمشهد الفوضوي الذي أصاب العراق في أعقاب سقوط البعث هناك، ذلك أن البعث بطبيعته الأيديولوجية الشمولية التي تنزع إلى تنظيم حياة الفرد والمجتمع في كل المجالات أقام نظامًا شموليًا وتوتاليتاريا مُأدلجًا يجعل من سقوط الحزب سقوطا للدولة لأن هنالك حالة لا نهائية من التداخل ما بين الحزب والدولة بدءا بالنظام السياسي والدستوري مرورًا بالجهاز التعليمي والإداري وانتهاءً بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، وبالتالي فإن حالة التداخل هذه تجعل من سقوط البعث تفكيك لأجهزة الدولة، لاسيما وأن ولاءات ما قبل الدولة لا زالت حاضرة وبقوة في المشهد السوري.
شعارات غير طائفية
فالمظاهرات في سوريا وبعد ثلاثة أشهر على انطلاقها لا زالت محصورة في فئة واحدة من الشعب السوري وهي فئة الأكثرية وهي ذات بُعد طائفي واضح حتى وإن رفعت شعارات غير طائفية، كذلك الأمر بالنسبة للنظام الذي يؤسس لشرعيته الرسمية إنطلاقًا من القومية العربية العلمانية الجامعة لكلّ الأطياف، إلاّ أنه لا يتورع عن توظيف العقدة الأقلوية من أجل حشد الطائفة من خلف النظام وإثارة الخوف الأقلوي لدى أطياف اجتماعية أخرى تحمل في ذاكرتها الجماعية نفس العقدة. بهذا المعنى وبسبب هيمنة الطائفة على المؤسسة الأمنية فإن سقوط النظام يُصوَّر وكأنه تهديد وجودي للطائفة ككلّ وبالتالي فإنه في حال سقوط النظام سيحدث اِصطفاف طائفي غير مسبوق في سوريا يتمثّل بانسحاب الطوائف إلى قواعدها الجغرافية وتمسّكها بسلاحها خارج سلطة الدولة.
حرب أهلية – إقليمية في المنطقة
إلاّ أن الأخطر من ذلك هو، أن سقوط نظام البعث في سوريا سيُوّلد حالة من الإصطفاف الطائفي الأهلي تمتد إلى المحيط ولاسيما إلى لبنان، حيث أن المهمّش الشيعي هنالك طالما إستنجد بسوريا واعتمد عليها لتجاوز تهميشه المؤسساتي، فليس من المستبعد أن يبقى على تحالفه مع نواة النظام حتى بعد سقوطها، لاسيما وأنه يشعر أنه يواجه مؤامرة تصفية تحت غطاء المحكمة الدولية مصدره الجماعة الأهلية ذاتها المدعومة من السعودية ذاتها التي تستهدف آخر نظام ممانعة في العالم العربي.
فتحالفات نظام البعث بسوريا ستلقي بظلالها على مرحلة ما بعد البعث إذا ما سقط نظام الأسد وقد تفجر أخطر حرب أهلية – إقليمية في المنطقة. وما يزيد من إحتمال كارثية التداعيات المترتبة على سقوط النظام هو عدم وجود بديل مدني حقيقي للنظام في سوريا الأمر الذي يفتح الباب على كلّ الإحتمالات في مرحلة ما بعد السقوط.
إستقرار منطقة الهلال الخصيب
فانقلاب في داخل النظام أو إصلاح حاله أو دخوله في شراكة مع معارضيه، كلّها خيارات أفضل لسوريا من سقوطه ولعلّ في تذبذب الموقف الغربي والتّرقب الإسرائيلي هو خير دلالة على الخشية من العواقب التي قد تترتب على السقوط. فحتى أن ألدّ أعداء سوريا يخشون من سقوط نظامها ليس ترحمًا عليه أو حرصًا على دورها الإقليمي أو خوفًا على مستقبلها، إنما إدراكًا للحقيقة الدامغة أن سقوطه قد يفتح الباب على مرحلة من الفوضى والتّفكك وانهيار المعادلات القائمة مع عدم وضوح الإتجاه الذي ستسلكه الأحداث في بلد طالما شكّل مركز ثقل أساسي في إستقرار منطقة الهلال الخصيب.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرا في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر.
لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وصورة شخصية بحجم كبير وجودة عالية وعنوان الموضوع على العنوان: alarab@alarab.co.il