محمد زحايكة رئيس نادي الصحافة:
الادب هو انعكاس للواقع وهو مرتبط بالسياسة بشكل أو بأخر
صدمة الهزيمة اطلقت تساؤلات كثيرة وأدت الى ان يغيّرالعديد من الكتاّب والمثقفين من مواقفهم وافكارهم
عقب توقف المجلة حصلت حالة فراغ ثقافي وادبي الى ان صدرت جريدة "القدس" الفلسطينية وبدأت تنشر بعض المساهمات الادبية على صفحاتها
نكأ الكاتب والناقد الادبي المقدسي القدير ابراهيم جوهر الجراح وهو يستعرض باسلوب مشوق وممتع وصريح ابرز محطات ومفاصل الحركة الادبية الفلسطينية بعد حرب عام ١٩٦٧ وما احدثته من صدمة على واقع الحالة الثقافية والادبية في الاراضي المحتلة في ذلك العام .
ورأى في لقاء صحفي لنادي الصحافة المقدسي برعاية مقهى الكتاب الثقافي- المكتبة العلمية في القدس، وادار الحوار ، الصحفي والاعلامي محمد زحايكة رئيس نادي الصحافة، ان الادب هو انعكاس للواقع وهو مرتبط بالسياسة بشكل أو بأخر. واوضح ان صدمة الهزيمة اطلقت تساؤلات كثيرة وأدت الى ان يغيّرالعديد من الكتاّب والمثقفين من مواقفهم وافكارهم .
واعتبر جوهر ان تجربة مجلة " الافق الجديد " قبل الحرب يجب دراستها بعناية لاستخلاص معاني هذه التجربة الادبية الغريبة والفريدة من نوعها حيث كان صاحب المجلة - امين شنار- من قيادات حزب التحرير ومحرروها من حركة الاخوان المسلمين وكتّابها من الشيوعيين..؟!
وقال انه عقب توقف المجلة حصلت حالة فراغ ثقافي وادبي الى ان صدرت جريدة "القدس" الفلسطينية وبدأت تنشر بعض المساهمات الادبية على صفحاتها .
وقد تنبهت سلطات الاحتلال الى مدى تأثير الحركة الثقافية والادبية فأصدرت جريدة الانباء التي كانت بمثابة مصيدة لبعض الكتاب الفلسطينين الا انها لم تعمّر طويلا..!
واضاف ان الكتّاب والمثقفين الفلسطينيين افاقوا من الصدمة لاحقا وبدأوا بالعمل على اصدار الصحف.. الفجر في عامي ١٩٧٢ والشعب ١٩٧٣ .. فأصبح هناك متنفسا للادباء والكتّاب يكتبون ويمارسون عملية النقد .
كما صدر منبر خاص بالادب ممثلا بمجلة البيادر الادبي ثم مجلة الكاتب في العام ١٩٧٩ وقبلها الطليعة الاسبوعية التي ساهمت في تنشيط حركة الكتابة والادب ثم توالى الزخم الادبي بصدور الفجر الادبي اوائل الثمانينات واخذت الحركة الادبية تزدهر وتنمو ويصبح للكلمة دور فعال في المهرجانات والمسابقات واللقاءات الادبية ليتم تأصيل هذه الظاهرة على يد كتّاب ومثقفين من امثال الشاعر والكاتب الكبير علي الخليلي. وتطرق الى بدء محاولات
ادب الانتفاضة..!
تشكيل دائرة الكتاب من مختلف المشارب والافكار وان كانت السمة الطاغية هي اليسارية في ذلك الوقت وتم تنظيم مهرجانين ادبيين في قاعة مدرسة المطران في القدس كما نشطت الجامعات الفلسطينية وكان لها دور في الحركة الادبية وكذلك نادي الموظفين في القدس الذي شكّل بمثابة (م ت ف) مصغرة تتنافس على ادارته القوى والمنظمات الفلسطينية .. وتعددت اشكال التعبير عن الحركة الادبية والثقافية من امسيات فنية وامسيات رمضانية وكانت القدس فعلا القلب النابض بمجمل هذا الحراك الثقافي الواعي والجميل ، ربما بعكس حالة الموات التي تعيشها القدس اليوم . واشار الى تأسيس اتحاد الكتاب عام ١٩٨٤ وما تبعه من ظروف سياسية وارهاصات بانطلاق الانتفاضة الاولى وظهور قاموس وخطاب وتوجه ادبي مختلف .. فقد تأثر الشعب الفلسطيني وتعبأ من صمود بيروت وتشتت المقاتلين في المنافي وعدم استقبال الرئيس عرفات من اكثر من جهة.. فظهر ادب الانتفاضة .. ادب الحجارة .. وصدرت مجموعات ادبية مستقلة من مقالات وقصص وفصول من روايات .. وبرز اتحادان مؤيد ومعارض..وكانت مجموعة ابداعات الحجر ومقاليع من منشورات الاتحادين المتخاصمين سياسيا..! وتم تداول مفردات الشارع والانتفاضة بشكل كبير فيما استمرت ظاهرة ادب وابداعات السجون والمعتقلات وهي ظاهرة لها خصوصية فلسطينية ربما لها جذور بسيطة في التاريخ العربي في روميات ابو فراس الحمداني وهو اسير في سجون الروم..!
وخلص جوهر الى اننا بقينا في حالة حلم وصعود ونهوض الى ان وصلنا الى انكسار الحلم في اعقاب اتفاق اوسلو الذي شكّل اكبر خيبة لحركتنا الفلسطينية الثورية والادبية.. هذا الاتفاق الذي افرز واقعا جديدا حاول البعض من الادباء التكيف معه على امل التغيير الى الافضل.. ! واحدث العائدون من الخارج حالة ثقافية معينة ..! فصدرت الروايات والدوواين الشعرية في اطار الخطاب الثقافي الرسمي وانخرط الاكاديميون بصورة اوسع في الحركة الادبية .. وبدأت مرحلة اخرى من الحيرة والتساؤلات والترميز والتلميح والتصريح .. وصدرت الحياة الجديدة والايام تمهيدا للحياة والمرحلة الجديدة..! واصبح هناك هامشا للحرية بدون رقابة عسكرية اسرائيلية ..! ولاحقا برزت الرواية على حساب القصة القصيرة والشعر .. وتحولت مدينة القدس الى موضوع تتناوله ابداعات المبدعين واقلام الكتّاب الذين اخذوا يذكّرون بالقدس عروس المدائن مثل " ظل اخر للمدينة " للقاص محمود شقير.. وفي قصائد للشاعر متوكل طه وتميم البرغوثي ..وروايات عيسى قواسمي وقصائد الشاعر فوزي البكري.. فحضرت القدس بقوة في العقدين الاخيرين..! وسخر الناقد جوهر من ظاهرة التقليد الاعمى لدى البعض.." فنحن للاسف ، مقلدون ولسنا مبدعون" .. وتساءل عن طبيعة الادب الفلسطيني في المستقبل .. هل يعود اكثر التصاقا بالجماهير ويعبر عن احلامها وطموحاتها ام يبقى يراوح مكانه..! ولماذا لم يعد لدينا قامات ادبية بحجم الشهيد غسان كنفاني مثلا..!
تساؤلات ومداخلات..!
وتساءلت الكاتبة الصحفية ريم مصري حول عدم اصدار الناقد منشورات واصدارات نقدية واستفسر الكاتب محمد موسى سويلم عن اسباب تقاعس الاكاديميين الفلسطينيين عن المشاركة في النهضة الادبية في السبعينات والثمانينات ..؟ وسأل الكاتب عيسى قواسمي عن التوقيت الانسب للكتابة الابداعية في اثناء الحدث او بعد وقوعه؟ ورأى الكاتب محمد خليل عليان ان الحركة الادبية الفلسطينية تراجعت في الشكل والمضمون ..! حتى ان كلمة كاتب ملتزم قد غابت عن التداول..! فالادب اليوم رديء في غالبه ، يفتقد الى الحلم وهو من اهم عناصر الابداع ويخلو من الابداع وغياب الهدف الواضح..! ووصف االمستوى الفني للرواية المحلية بالتدني..! وتساءل عن اسباب غياب حركة نقدية مؤثرة وواضحة المعالم..!
واكد الكاتب نبيل الجولاني على الدور الهام الذي لعبته اتحادات الكتاب والصحافة في السبعيات والثمانينات من القرن الماضي مما شكّل حالة نهوض للحركة الثقافية عموما .. وساهم الكل في ذلك بما فيها فصائل العمل الوطني من خلال التركيز على تثقيف عناصرها وجمهورها من خلال نشرات وجلسات وكذلك النقابات العمالية والاندية والجامعات وغيرها .. اما حالة الانحسار الراهنة فهي تعود للتراجع السياسي الذي يؤثر على جميع البنى والاطر الفكرية والثقافية مما يؤدي الى خراب فكري وهبوط ثقافي على جميع المستويات . ونوه التربوي راتب حمد الى عدم اغفال الدور الريادي لكتّاب ومبدعي فلسطينيي الداخل الذين اثروا الحركة الادبية الفلسطينية بنتاجهم الادبي والفكري الرائع. وتساءل المهتم بالشأن الثقافي عماد منى عن ظاهرة انكار الحياة الثقافية في القدس اليوم رغم الصعوبات التي تواجهها وقال ان القدس تبقى رمزا ثقافيا شامخا لا يمكن تجاوزه او القفز عنه وما حصل ان مجموع النشاطات الثقافية بعد اوسلو قد توزع على معظم المدن والمحافظات الفلسطينية ودعا الى عدم تحميل اوسلو كل الموبقات فيما يتعلق بالشأن الثقافي على الاقل..؟ ودعا محمود دبش المسكون بالهم العام الى ضرورة التحرك في ميادين العلم والثقافة والبحث الدائم عن اشكال في القدس للتواصل حتى نبني جيلا مثقفا واعيا من ابنائنا وبناتنا وطالب صوت فلسطين بالاهتمام بالتجمعات الثقافية وابرازها اعلاميا والترويج لها حتى تشمل الفائدة اوسع شريحة ممكنة من المجتمع ؟ وطالب الفنان المسرحي يعقوب ابو عرفة بالتصدي لظاهرة المتسلقين على عالم الصحافة والمسرح والفن وايجاد مرجعية تحاسب وتدقق في الانتاجات الابداعية ؟ وقال ان الصحافة يجب ان تكون السلطة الاولى وليس الرابعة لما لها من تأثير في صياغة العقل والوجدان والرأي العام في اي مجتمع من المجتمعات ؟ ودعت الاعلامية ايمان القاسم سليمان الى توجيه النقد الى ظاهرة بعض من يعتبرون انفسهم صحفيين ومقدمي براامج من غير المؤهلين لادارة برامج ثقافية وحوارية تنعكس سلبا بصورة مباشرة على المتلقين؟ خاصة وان الجيل الصاعد يتغذى على ما يقدمونه احيانا من اشياء تافهة وسخيفة ؟ ودعا الاعلامي احمد جلاجل الى التركيز على الاحيال الصاعدة في التوعية الثقافية لانها عماد ودعامة المستقبل.
الكتابة مسؤولية..واليوم السابع .. علامة مضيئة
وأجمل جوهر رده على مجموعة الملاحظات والاستفسارات والمداخلات بالقول ان الكتابة عملية متعبة ومرهقة وهي مسؤولية كبيرة اما تنجز بشكل مهني مدروس او يجب الاحجام عنها ..! واضاف ان عدد القرّاء محدودا ويجب احترام القراء فيما يكتب او ينشر وتطرق الى دور ندوة الخميس في تجميع الكتّاب والمثقفين والمبدعين عموما ، واصفا بعض الاكاديميين في مرحلة سابقة بالتحجر والتكلس الاكاديمي. وحول الكتابة الفورية او التأني قال ان الشعر عادة يستجيب بسرعة للحدث بعكس الرواية التي بحاجة الى التأني والاستفادة من البعدين التاريخي والقصصي الروائي . واكد انه بدون نقد لا يمكن التطور والتقدم على كافة الصعد الحياتية من مسرح وادب ورياضة .. الخ .. وقال انه من ناحية تراتبية يجب ان يوجد الادب اولا ليتبعه النقد في التوجيه وتصحيح المسار..؟ ولكن حتى لو لم يوجد كتابة ادبية .. فيجب ان يحرّض النقد على ولادتها وانطلاقها..! ورأى ان التركيز في اللقاء كان حول ادب الاراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ ولكن هذا لا يعني عدم الاشادة بالدور الطلائعي لثقافة وابداع فلسطينيي الداخل ووسائل اعلامهم من صحف ومجلات كان لها قصب السبق في احتضان المثقفين والمبدعين من الضفة وغزة والداخل وخصوصا صحف ومجلات الحزب الشيوعي الاسرائيلي... فنحن في النهاية شعب واحد في كل مكان سواء في الداخل او حتى في الشتات .. ! ونوه الى ليالي بيرزيت ومهرجانات العمل التطوعي وما كان لها من دور ثقافي مهم اضافة الى النشاطات الثقافية والمهرجانات السنوية في جامعات بيت لحم وبيرزيت وغيرها. ورأى ان الحكم العسكري الاسرائيلي خصوصا في الضفة الغربية وغزة ادى الى محاصرة هذه النشاطات الثقافية الابداعية اكثر مما كان حاصلا في القدس في تلك الفترة الزمنية. ووصف خارطة الوطن في اعقاب اوسلو بأنها مثل البقع المتناثرة على جلد النمر جميلة ولكنها مقطعة الاوصال ولا ناظم بينها ..! واشار الى أن مشاركة واهتمام امثال الخبير السياحي محمود دبش بالشأن الثقافي والهم العام تعطينا املا وثقة في حتمية التغيير نحو الافضل..! ورد على مطلب يعقوب ابو عرفة بايراد قصة القائد الراحل ابو عمار مع فلسطيني اصبح قائدا لمجموعة وطائقة دينية في الهند تتكون من عشرات الملايين ..! اي اننا كلنا زعماء..! كما نوه الى اهمية ادب الاطفال وتطويره وفقا لتطور العصر الذي نعيش فيه..! والتقط محمود منى منسق النشاطات الثقافية في مقهى الكتاب الثقافي صورا فنية لوقائع اللقاء الادبي المثير..! وقدّم الشاعر الشعبي بشار غازي صري قصيدتين من الشعر النبطي البدوي فيهما نقد اجتماعي لغلاء المهور وحنين الى حضن القدس الدافئ.