د. ميل: نعرب عن بالغ سرورنا بعد أن تمكّنا من التوصل إلى حل الهذا اللغز الذي كان يمثل مصدر حيرة لنا منذ فترة زمنية طويلة
المشيمة هي خط الحياة للجنين. وتكون المشيمة المتصلة بداخل الرحم والموصولة بالجنين عبر الحبل السرّي بمثابة منصة لنقل الدم من الأُم إلى الطفل. ويمر الأكسجين والمواد الغذائية في دم الأُم عبر المشيمة إلى الجنين، بينما تمر الفضلات الاستقلابية وثاني أكسيد الكربون من الجنين في الاتجاه الآخر. وتحمي المشيمة الطفل من العدوى والمواد الضارة، لكنها ليست وحدة تنقية مضمونة تماماً، فبعض المواد الأخرى مثل الكحول والمخدرات ودخان السجائر يمكن أن يخترقها، الأمر الذي قد يُسبِّب تشوّهات خلقية وإدمان المخدرات ومتلازمة الكحول الجنينية لدى الأطفال حديثي الولادة.
ومنذ فترة طويلة، يبدي العلماء شكوكاً إزاء قدرة السرطان على اختراق الجدار المشيمي والانتقال من الأم إلى الجنين، لكن لم يكن لديهم دليل حتى ذلك الوقت. وعمل الباحثون في معهد أبحاث السرطان بكلية جامعة لندن مع زملاء لهم من اليابان في دراسة حالة فتاة يابانية تبلغ من العمر 28 عاماً، كانت قد وضعت طفلة سليمة بعد حمل طبيعي. وبعد شهر من الولادة، أصيبت الأم بنزيف، وتمّ تشخيص حالتها بمرض لوكيميا الخلايا الليمفاوية الحاد. وخضعت الفتاة للعلاج الكيميائي، لكنها أصيبت بالتهاب الدماغ، ولقيت حتفها بعد 19 يوماً. ولم تظهر على الطفلة أية أعراض للمرض حتى كان بلغت 11 شهراً، وعندما نقلت إلى المستشفى لإصابتها بورم في خدها الأيمن، كشفت الإختبارات عن وجود ورم في فكها، لينتشر بعد ذلك وصولاً إلى رئتيها.
الخلايا السرطانية
ومن خلال مقارنة الحامض النووي من النخاع العظمي للأم مع الحامض النووي للطفلة، تمكّن الباحثون من التعرُّف إلى أنّ الخلايا السرطانية لكل من الطفلة والأم كانت تتقاسم نفس الجينة المتحورة، وهو الجينة التي تحمل الرمز BCR – ABL1، لكن الطفلة لم ترث تلك الجينة. وكشفت عينة الدم التي أخذت من الطفلة بعد الولادة أن السرطان انتقل إلى الطفلة قبل الولادة.
كيف يحدث؟
إذاً كيف يحدث ذلك؟ بطبيعة الحال، إذا اخترقت الخلايا الجدار المشيمي، فإنّ الجهاز المناعي لدى الطفل سيتعامل معها على أساس أنها تنتمي إلى غزاة معتدين ليقوم بتدميرها بعد ذلك، وهذا ما يفسر سبب ندرة انتقال الخلايا السرطانية من الأُم إلى الطفل. لكن في تلك الحالة، كانت الخلايا السرطانية لدى الطفلة تفتقد إلى جزء ضروري من الحامض النووي الذي يلعب دوراً مهماً في أداء الجهاز المناعي. ومن دون ذلك، فإن خلايا السرطان كانت ستمر من دون أن يتم اكتشافها من قبل جهازها المناعي.
انتقال السرطان
يقول الباحث الدكتور ميل غريفز: "يبدو أنه في تلك الحالة وفي الحالات الأخرى من انتقال السرطان من الأم إلى الجنين، اخترقت الخلايا السرطانية للأم المشيمة إلى الجنين، وهو في طور النمو، ونجحت في الاستقرار، لأنها كانت غير مرئية بالنسبة إلى الجهاز المناعي". ويضيف: "إننا نعرب عن بالغ سرورنا بعد أن تمكّنا من التوصل إلى حل الهذا اللغز الذي كان يمثل مصدر حيرة لنا منذ فترة زمنية طويلة. لكننا نؤكد على أن هذا السرطان الذي ينتقل من الأم إلى الجنين يعد نادراً للغاية، كما أن فرصة حدوثه قليلة جداً". ويختتم الدكتور ديفيد غرانت الذي مول الدراسة بشكل جزئي: "الرسالة المهمة التي يمكن الاستفادة منها هي أن خلايا اللوكيميا يمكن تدميرها من قبل الجهاز المناعي. وإذا ما عرف العلماء ذلك، فإنهم سيبحثون عن طرق جديدة لشحذ قوة الجهاز المناعي من أجل شفائه أولاً وحماية المرضى بعد ذلك من اللوكيميا".