يوسف جمل في مقاله:
تذكر أحدهم أن طاولتنا ينقصها علبة محارم ورقية فسارع لإحضارها
جلسنا ننظر إلى ازدواجية المعاملة الغريبة باهتمام شديد فإذا بأحدهم يحضر علبة ملح ويضعها على طاولتنا رغم أننا كنا قد فرغنا من الأكل
بعد أن كنا قد انتهينا من تناول وجبة العشاء جلس بالقرب منا رجل وامرأتان أجانب لفت نظرنا الاهتمام الواضح في استقبالهم والترحيب بهم من قبل الطاقم المشرف على خدمة الزبائن
كنا قد انتهينا من تناول وجبة العشاء في باحة مطعم في مدينة عربية سياحية في دولة عربية حين جلس بالقرب منا رجل وامرأتان أجانب لفت نظرنا الاهتمام الواضح في استقبالهم والترحيب بهم من قبل الطاقم المشرف على خدمة الزبائن , وقد كنا قد جلسنا أنا وزوجتي ولم يعيرنا أحد منهم الاهتمام رغم أننا عندما حضرنا لم يكن في الموقع أحد من الزوار الجائعين الذين يختارون الجلوس في الساحة رغم الحر الشديد الذي يفْضُل الجلوس في الداخل كثيراً وعلى أمل أن تخف وطأة الحر بغروب الشمس القريب
حركة غريبة
أحضر لهم المكلف بخدمة الطاولات زجاجة ماء باردة وصب لهم الماء ليرووا عطشهم ومن ثم حدثت حركة غريبة فهذا يحضر قائمة المأكولات وذاك يرتب الأمور على الطاولة وآخر يشتغل بتركيب مروحة تبخ رذاذ الماء نحوهم وآخر يقف مبتسماً كجزء من خدمة مميزة لزوار مميزين
نظرت إلى زوجتي فرأيتها تتابع المشهد باستغراب واستهجان يوازي ما لدي منه فنحن بزينا الشرقي ورغم قدومنا المبكر جلسنا ننتظر قدوم أحد منهم ليسألنا عن حالنا وما نريد فلم يكن لنا ما نريد إلا عندما نادينا على أحدهم وطلبنا ما نريد
ذهب وصار يشتغل بترتيب الموائد والمقاعد ومن ثم صار يرش الماء على الأرض ويعتذر لنا بضرورة الماء لتهدئة الغبار وتلطيف الجو وغاب فترة ليعود وقد حمل الأكل على صينية قام بتفريغها على الطاولة وعاد أدراجه ليتركنا مع وجبتنا بعد عناء شديد
ازدواجية المعاملة
جلسنا ننظر إلى ازدواجية المعاملة الغريبة باهتمام شديد فإذا بأحدهم يحضر علبة ملح ويضعها على طاولتنا رغم أننا كنا قد فرغنا من الأكل وقام أحدهم بتنظيف الطاولة فطلبت منه فنجاناً من القهوة حتى أتابع المسلسل وزوجتي تلح علي أن اعبر عن ما في داخلنا من استياء خاصة عندما أحضر الطعام إلى الطاولة المجاورة وقد رسم بتنسيق جميل وحضر بجهد كبير وأحضرت الكؤوس الزجاجية والشوك والملاعق الملفوفة بالورق والسلطات التي بذل الجهد في تنسيقها والعصائر المزينة والمروحة تعمل فيصيبنا منها بعض الرذاذ الأمر الذي شجعنا على الاستمرار في الجلوس
الاستغراب والاستياء
تذكر أحدهم أن طاولتنا ينقصها علبة محارم ورقية فسارع لإحضارها وعلى ما يبدو أنه رأى في وجوهنا بعض الاستغراب والاستياء والمقارنة الواضحة في المعاملة فرأيتها فرصة سانحة لأعبر له عن ما في داخلنا وأتساءل عن الاختلاف في المعاملة فيبدي اعتذاره وتبريراته الغير منطقية التي احتوت في ما احتوت إلى أن الزبون الأجنبي يدفع ثمناً للفرق بين الخدمة والخدمة ويقدر العاملين بتركه إكرامية كريمة بينما يدفع الزبون العربي ثمناً للأكل وحده ويحرص على إرجاع زجاجة الماء التي تظل منتصبة على المائدة
أحضر لي آخر فنجان القهوة وهو يحمله بيده ووضعه أمامي وعاد ليسأل جيراننا على الطاولة المجاورة إن كان كل شيء على ما يرام
الشعور بالنقص
ناديته بعد فترة وجيزة وطلبت منه كأس عصير طبيعي لزوجتي وانتظرنا ليحمله إلينا بيده ويضعه على الطاولة ويمضي ليتابع اهتمامه بالطاولة المجاورة وفي صدره غيظ منا شديد
بعدما مللنا من المنظر ناديته لأدفع له الحساب وتعمدت أن أبقي له هذه المرة تقديراً لسوء خدمته وتعويضاً لابتسامته ومقابلاً لعدم اهتمامه ما يكفيه ليطفىء عقدة الشعور بالنقص ولعلها تكون مرهماً يتخلص به من ازدواجية المعاملة والحكم المسبق على الأمور بدون حق أو سبب ولعلها تكون نقطة تحول في السعي للحفاظ على العزة والكرامة قبل اللهث والهرولة لنيل الإكرامية والبقشيش
بضع دراهم
رأيتهم وهم يبتسمون بالإكراه لمن لا يعيرونهم الانتباه ورأيتهم وهم يبتسمون بالإكراه لمن يتذللون لهم ويحسنون خدمتهم طمعاً بما يخلفونه لهم من تقدير مترجم إلى بضع دراهم تعيد لهم كرامتهم المهدورة وتشجعهم بالمضي قدماً في مسلسل الابتسام بالإكراه
تركنا الطاولة لكننا حرصنا قبلها على أن نغسل جروحنا من أثار رشة الملح على الجرح ونبتسم طوعاً وليس بالإكراه