جلست ذات يوم تحدّث نفسها !!.. تستعيد ذكريات خلت قد مرّ عليها سنوات ...
امرأة جميلة رشيقة يضج ّ جسدها أنوثة ونضارة ،، ووجهها كفلقة البدر
بل أجمل !!.. تحمل لقب الدكتوراة في علم النفس ،، وزوجها محام
بارع ناجح ،، وله شهرة واسعة !!.. وقد رزقهما الله بثلاثة أطفال !!..
اسمها جميل جداً ،، ومدينتها الأجمل والأنقى هواء ،، الأصفى سماء !!..
قبل أن تتعرف إلى زوجها ،، غرق في بحر عينيها شاب مسكين
لا يملك من حطام الدنيا شيئاً ،، سوى قلب محب ّ وأخلاق رفيعة !!..
جلست تحدث نفسها :" ما أروع َ أن أحب ّ إنساناً أعانق فيه حريتي
وألعن القيود !!..
لا أدري ما الذي دعاني إلى أن أدوس َ ذلك المسكين الذي
أحبــّني وارتمى في طريقي ذات يوم يقبــّل قدمي ّ ؟؟!!..
ألأنه كان دون المستوى ؟؟
أم لأن قلبي لم يهوهُ ،، ولم تشأ أبوابــُهُ أن تــُفتح َ له ؟؟
ذلك المسكين الذي كان يملك قلباً راحلاً دون جواز
سفر ،، طالما تمنــّى أن يحتفظ به !!..
أكنتُ بالنسبة إليه سراباً ،، أم أن الوصولَ إليّ كان مستحيلاً ؟؟
لست ُ أدري ....
ما أعلمه أنني دسته كأنثى طاووس شاءت الأقدارُ أن تقع قدمها
في لحظة عابرة على نملة عابرة تبحث عن حبة قمح فتسحقها !!..
تــُحطــّمها !!.. موت شنيع مفاجىء لم يكن في حسبانها !!..
لقد أقنعت نفسي كمثقفة من عائلة عريقة ،، ومستوى مرموق ،، أن
أجدَ كفؤاً لي يشاركني حياتي !!..
صار طيفه ُ يتلاشى من قلبي رويداً رويداً حتى لم يبق َ منه
سوى بقية من شفقة وبعض عطف !!...
وفي محل كبير للملابس ،، التقيت يوماً بفارس أحلامي هذا !!..
التقت نظراتنا فذابت القلوب تحت وهجها !!...
وأخذنا الحب ّ بأحضانه فعشنا فيه زمناً رغيداً
إلى أن تزوجنا !!
بعدها عرفت قيمة ذلك المسكين !!..
وأنّ المظاهرَ والحسب والنــّسب والماديات ليست هي الحياة !!..
وفجأة قطع عليها صريرُ الباب حبلَ أفكارها !!..
دخل الزوج غاضباً ساخطاً متذمراً ،، ودون إحم أو دستور
أو سلام قال بعصبية : الأسعار صارت نار !!..
تصوّري أن ّ لتر البنزين بعشرة شواقل !!..
وقنينة الزيت بأربعين شاقلاً !!..
والخبز بكذا واللحم بكذا وَ .................
قاطعته بهمس : ألا تطرح السلام يا حبيبي ؟؟؟ ألا تقبــّلني ؟؟
نظر إليها باستخفاف وعلت شفتيه ابتسامة ساخرة ثم ّ أردف : أحدثك
عن الزيت واللحم والخبز والغلاء ،، وتسألينني عن السلام والقبلة ؟؟
إننا في زمن آخر َ يا سيّدتي ... كفاك رومانسية وأعدّي لي
طعاماً ،، هيــّا بسرعة !!..
شعرتُ برغبة في البكاء ،، فاحتبست دموعي في مآقي ّ وأحداقي !!..
ثم تحوّلت رغبتي إلى ثورة اشتعلت في داخلي كالبركان ،، وراحت
الحمم تتفجر من بين شفتي ّ بقوة ودون سيطرة
مني : هذا الذي بات يقلقك فقط !!.. لا
شيء يهمك سوى المادّيات !!.. أين حديثك عن أحلامنا ،، وحبنا
الخالد ،، ومجالس السحر والفكر والروح ؟؟
كم جلسنا تحت ضوء القمر نناجيه ،، ونغزل من شعاعه
خيوط َ مستقبلنا ؟؟...
كم أهديتني من الكتب ،، وكنــّا نمضي وقتاً طويلاً في حوارنا حولها !!..
كم اصطحبتني إلى معرض فنون أو إلى المسرح أو مطعم أو حديقة
الحيوان أو إلى شاطىء البحر أو إلى أحضان الطبيعة ،، وأنا أقفز
إلى جانبك كالفراشة الحالمة ؟؟..
كل نسمة خفيفة كان أغنية يرقص لها قلبينا !!..
وكل ّ لحظة كانت همسة حبّ تضمّ روحينا فننسى العالم !!..
ما الذي حدث حتى انزوى حبنا خلف واقعنا ؟؟
لست خادمة تنتظرك في البيت ،، حتى تعود َ لتحدثها عن الغلاء
والمال ،، ثم تأمرها أن تجهز لك الطعام ،، وتقضي معها شهوتك
وتمضي !!.. أنا كتلة من المشاعر والأحاسيس !!..
أنا روح ٌ وقلب ٌ ودماءٌ وأعصابٌ ونفسٌ بشرية تفتقر إلى الدّفء والحنان !!..
اليوم فقط فهمت معنى :" الزواج مقبرة الحب ّ " !!..
لكني أرفض أن أكون َ جسداً بلا روح !!..
زهرة ذابلة في حديقتك الخربة اليابسة !!..
لست عجينة في يديك ،، لا ولا امرأة تناسب مقاس حذائك !!..
إذا كنت ُ في نظرك َ كتلة من اللحم والعظم تتحرك فقط
لخدمتك ،، فابحث عن غيري !!..
قالت ذلك وهرعت إلى الخارج ـــ بعد أن صفقت الباب خلفها
بقوة شديدة وبتمرد صارخ ،، صفقة سمعها الأموات ــ تبحث عن
هواء نظيف يملؤ رئتيها !!...