الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأربعاء 13 / نوفمبر 02:01

تحية إلى برنامج «سوبر ستار»!


نُشر: 07/08/07 09:47

يأخذ البعض على البرنامج الشهير «سوبر ستار» أنه برنامج إلهاء بامتياز للشباب والشابات، ودليل على ميوعة الأجيال العربية الصاعدة وانسلاخها عن واقعها، بدليل أن ملايين اليافعين يتهافتون، إما على المشاركة في البرنامج، أو على التصويت بحرارة، عز نظيرها، للمتسابقين فيه

صحيح أن الشباب العربي يجب ألاَّ يقتدي بالشباب الغربي الذي يستقتل لحضور حفلة غنائية لمطرب أو مطربة مجنونة، أو للمشاركة في برنامج مسابقات غنائية

وصحيح أيضاً أن المقارنة هنا مخادعة ومضللة إلى حد كبير، على اعتبار أن واقعنا غير واقعهم، وأن الجيل الصاعد في الغرب لا يحصر اهتمامه في حقل وحيد، ألا وهو ثقافة «البوب»، بل يتخذها مجرد تسلية ولهو عابر، لا أكثر ولا أقل

فهو، بفضل التقدم العلمي الهائل الذي وصلت إليه مجتمعاته، يرنو إلى مهام ووظائف من العيار الثقيل

أما عندنا ، وبسبب التخلف العام، فإن الشباب العربي يتعلق بأي قشة تأتي في طريقه لإنقاذه من واقعه السحيق، حتى لو كانت قشة «التهييص» و«النطوَطة الفنية» التي برعت التلفزيونات العربية في تبنيها وتكريسها

 

لكن، لو أخذنا في الاعتبار، الجو الإعلامي العام في بلادنا، حيث يمكن للشباب أن يلتهي بمنتهى الهبوط بثقافة «الشخابيط» و«الواوا» و«الأوبـّاح» وسواها من الصرعات «الحنكليشية»، لوجدنا أن برنامجاً مثل برنامج «سوبر ستار» يقدم خدمة جليلة بكل المقاييس للثقافة العربية

ألا يكفيه أنه يجعل السباق بين الشباب على تأدية الطرب العربي الأصيل كي يرسخه ويكرسه ويحميه ويحافظ عليه في زمن السموات المفتوحة والغزو الثقافي الأشرس في التاريخ؟ أليست هذه نقطة عظيمة تـُحسب للبرنامج والقائمين عليه

وقد لاحظنا غير مرةٍ أن الحكم الرئيس في البرنامج الموسيقار المخضرم إلياس الرحباني يتهكم كثيراً على كل متسابق يشارك بأغنية «حديثة»، لا بل يحاول بطرقه الخاصة أن يثني المتسابقين عن تقليد النماذج الغنائية الهابطة، ويدفعهم إلى التسابق على الفن العربي الأصلي

ولو أخذنا الأغنيات التي قدمها المتسابقون في البرنامج منذ انطلاقه لرأينا أنها في معظمها أغنيات لأساطين الطرب في عالمنا العربي، فهذا المتسابق يغني لأم كلثوم، وذاك لفريد الأطرش، وآخر لمحمد عبد الوهاب، وعبد الحليم حافظ، وصباح فخري، وملحم بركات، ووديع الصافي، ونصري شمس الدين، ولطفي بوشناق، وسيد مكاوي، وكاظم الساهر، وناظم الغزالي

أما المتسابقات الرائعات فيتحدين الموجة الهابطة، ويتبارين على تأدية الأغاني العظيمة لفايزة أحمد، ووردة الجزائرية، وفيروز، ونجاة الصغيرة، وشادية، وغيرهن من سيدات الطرب العربي البديع

وحتى لو اختار بعض المتسابقين والمتسابقات أغاني جديدة، فيختارونها من النوع العربي الأصيل أيضاً الذي يحافظ على الثقافة الغنائية العربية ويطورها

قلما تجد من يدخل السباق بأغنية من النوع الذي أساء للفن العربي وحاول تمييعه

لهذا السبب تجد أن متابعي البرنامج ليسوا فقط من الشباب والشابات، بل من كافة الأعمار، خاصة وأن المتسابقين يبدعون في تأدية الأغاني الأصيلة التي تعودت عليها الذائقة العربية منذ عشرات السنين


ليس صحيحاً أبداً أن الأجيال العربية الصاعدة منسلخة عن ثقافتها، فإذا كانت بعض الفضائيات لا هم لها سوى الترويج والتطبيل والتزمير لثقافة «الواوا»، فإن المتابع لما يتسابق على تأديته المشاركون في برنامج «سوبر ستار» سيجد أن هؤلاء الشباب والشابات اللواتي لا يتجاوز عمر الكثير منهن العشرين عاماً، إن لم يكن أقل، يتسابقن بطريقة رائعة وجميلة جداً على إحياء الطرب العربي الجميل، لا على تقليد بعض المطربات الاستعراضيات اللواتي يتفاخرن بمفاتنهن البلاستيكية السيليكونية

وما أدراك ما السيليكون!

كم يشعر المرء بالغبطة والسعادة وهو يرى بعض اليافعين بعمر الزهور وهم يتصدون لتأدية أغنيات تراثية صعبة للغاية، ويجيدون تأديتها، بحيث تشعر لدى الاستماع إليهم أنك في حضرة أساطين الطرب العربي

ألا تتذكرون السوبر ستار الليبي الشاب أيمن الأعتر الذي فاز باللقب بناء على تأديته لأجمل الأغنيات العربية الطربية؟ ألم تفز الشابة الأردنية ديانا كرزون من قبل من خلال صوتها الذي يستطيع تأدية الأغاني العربية القديمة والجميلة؟ ألا تتذكرون الشابة السورية ذات الصوت الكبير رويدة عطية التي استنفرت الشابات و الشباب السوري والعربي للتصويت لها في أول مسابقة؟ ومن ينسى صوت تلك الفنانة الغضة وعد البحري القادمة من ربوع فريد الأطرش واسمهان وفهد بلان ومجد القاسم لتسحر السامعين بصوتها الشجي العملاق، رغم أنها في ريعان الصبا، ولم تتجاوز بعد العشرين من العمر؟ ألا تتذكرون صوت شهد برمدا الذي يكبرها بعشرات السنين؟ ألم يبدع الشاب التونسي مروان علي في غناء أصعب العُرب الطربية في الدورة الأخيرة من البرنامج، ونال على أساسها لقب سوبر ستار العرب، رغم أنه في التاسعة عشرة من العمر لا أكثر ولا أقل

وكم شعرت بقشعريرة جميلة وأنا أستمع لشابة عربية مولودة في أمريكا ولا تتحدث العربية بطلاقة، لكنها عندما حاولت خوض غمار المشاركة في البرنامج اختارت أغنية «لسا فاكر» للسيدة أم كلثوم، وقد أدتها بلغة عربية «مكسّرة» لكن في غاية الجمال والإحساس

المهم أنها لم تختر أغنية هابطة

ولا شك أن الكثيرين حيّوها على ذلك الاختيار الصحيح

ليس صحيحاً أيضاً أن جمهور الشباب العربي الذي صوت للفائزين بلقب «سوبرستار» جمهور «صائع» أو «ضائع»، بل هو متمسك أيضاً بالعراقة والأصالة الفنية

والدليل أنه يتابع المتسابقين والمتسابقات اللواتي يؤدين الطرب الأصيل بشغف واهتمام عز نظيرهما

لا بل يتجشم عناء التصويت مالياً لتفويز أولئك الذي يرسخون الثقافة الغنائية العربية الأصيلة ويعيدون إليها الاعتبار في زمن التعهير الفني الصارخ

تحية لبرنامج «سوبرستار» الذي اختار الأصعب ونجح نجاحاً باهراً

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.76
USD
3.99
EUR
4.79
GBP
328059.66
BTC
0.52
CNY
.