استطلاع الرأي الذي أجراه مركز "يافا" للأبحاث واستطلاعات الرأي بمبادرة جمعية "بلدنا" أظهر خمس نتائج غاية في الأهمية، وهي:- الاستطلاع شمل شبابًا من جيل 17 حتى 20 عامًا، من كافة الشرائح المِنطقية والدينية والعمرية والتعليمية، ومن الذين تركوا مقاعد الدراسة قبل المرحلة الثانوية.
- 57% من هذه الشرائح تعرف ما هي "الخدمة المدنية".
- إن من يرفض "الخدمة" فلأسبابٍ مبدئية، ومن يقبلها فلأسباب شخصيّة وخاصّة.
- 66% يعارضون "الخدمة" مبدئيًا، فـ49% منهم علّلوا ذلك بأنها تشوّه الانتماء القومي، و27% لارتباطها مع جهاز ومفاهيم "الأمن" الإسرائيلية، و12% لأنها تهدف إلى الأسرلة المشوّهة بدلا من الحقوق الجماعية.
- 17% يؤيّدون الانخراط في الجيش الإسرائيلي.
***
يجب التعامل الجِدّي والمهني مع هذه المعلومات، لا سيّما أن المركز الذي أجرى الأبحاث له رصيده، وأذكر أننا في الجبهة استعنّا به ثلاث مرّات قبل انتخابات الكنيست الأخيرة وقد أصاب في استطلاعاته. وهذه المعطيات تُعلّمنا الأمور التالية:
- أن معرفة 57% من شبابنا بـ"الخدمة المدنية" هو نجاح هام، إذا أخذنا بعين الاعتبار الأمرين التاليين:
أ. قبل سنتين أجرى بروفيسور سامي سموحة استطلاعًا للرأي تبيّن فيه أنه فقط 17% من هذا الجيل يعرفون ما هي "الخدمة المدنية"! وما القفزة إلى 57% إلا نتيجة لحملة المناهضة الواسعة والدخول إلى ما يُقارب سبعين مدرسة ثانوية، والنشاطات الحزبية المختلفة ودور الشبيبة الشيوعية.
ب. قبل ثلاث سنوات أجرت صحيفة "كل العرب" استطلاعًا حول يوم الأرض، وتبيّن أنه فقط 33% من هذه الفئة العُمْرية سمعت عن يوم الأرض! وهو اليوم المفصلي والأهم في تاريخ جماهيرنا. لذا فمعرفة 57% من الشباب المتعلمين في الثانويات وممّن تركوا سلك التعليم بالـ"خدمة المدنية" هي قفزة كبيرة لا يمكن تجاهلها.
- إن 66% عارضوا "الخدمة المدنية" لذات الأسباب التي صاغتها اللجنة لمناهضة "الخدمة المدنية"، وهي: تشويه الانتماء القومي، الارتباط مع جهاز ومفاهيم "الأمن" الإسرائيلية، هِبَات أشبه بفتات المائدة بدلا من المساواة والحقوق الجماعية. أي ذات الأسباب التي عارضنا فيها "الخدمة" وتكاد تُصاغ حرفيًا كما نصيغ نحن مواقفنا، وهذا يدلّ على قوّة الحملة ووصولها إلى الجيل الشاب. وهنا لا يمكننا ان نتجاهل انه قبل سنوات كان هناك من "يتفهّم" "الخدمة المدنية" حتى من داخل الأُطر الوطنية، أما اليوم فـ66% من الشباب الصغار، وغالبيّتهم غير مؤطّرين حزبيًا، يرفضونها لأسباب وطنية.
- إن 17% من شبابنا يؤيّدون الخدمة العسكرية (وضمنًا فكلّ هؤلاء يؤيّدون "الخدمة المدنية") هو معطى خطير، ولكنّه ينسجم من المعطى المؤلم وهو ان 1200 عربي (عدا أهلنا الدروز) منخرطون في الجيش، ومع المُعطى أن 20% من شعبنا صوّت لأحزاب صهيونية في الانتخابات البرلمانية الأخيرة رغم تاريخ الأحزاب الصهيونية وحرب غزّة واستشهاد 1300 فلسطيني، ورغم تحرّك كل الأحزاب النشط في فترة الانتخابات. والأمر الآخر هو أن الأحزاب السياسية لم تنجح حتى الآن في التأثير الجدي على عشرات القرى العربية في النقب، التي تشكّل فيها شريحة الشباب أكثر من 75% من تحت جيل ثلاثين، وهم عُرضة للـ"خدمة المدنية" أكثر من غيرهم. أي أنه بتعامُل واقعي لا نتوقّع أن يقول 100% من شبابنا أنهم ضد "الخدمة المدنية" في غضون مرحلة قريبة- خاصّة أن شرائح من شعبنا أُجبرت على التجنيد وشوّه انتماؤهم القومي- بل هي معركة طويلة المدى على الوعي والكرامة الوطنية.
* * *
لا يفوتنا أن "مديرية الخدمة المدنية" تحصل على ميزانية 116 مليون شاقل سنويًا ويعمل ضمنها 56 موظفًا بوظيفة كاملة، ووراءها مؤسسة تملك أساليب ترغيب وترهيب لا حصر لها، ونحن لا نملك من حطام الدنيا أو عتادها إلا المبدأ والأخلاق. وهذه المؤسسة التي تبجّحت قبل عدّة سنوات بأنها ستنجح في كسر القيادة وتجنيد الشباب العرب، ولم تنجح- بعد طول سنين ومئات الملايين- إلا بتجنيد 0.6% (أي أقل من 1%) وسنظّل نعمل وتظلّ تراكم الفشل على الفشل.
***
هنالك موضوع يجب تأكيده دائمًا وهو اننا لا نقبل القول "إن الذين خدموا هم عملاء أو حتى منبوذون"، فقسم كبيرٌ منهم قد غُرّر به وضُلّل، وجزء من أبناء الثامنة عشر ذهب إلى مستشفى المدينة القريبة لـ"يخدم" سنةً أو سنتين وهو غير مدرك لأبعاد هذا المخطط، ومن واجبنا احتضانهم وتوعيتهم لنفوّت الفرصة على السلطة التي يسعدها دحرجتهم أكثر، هم أبناؤنا وبناتنا وواجبنا توعيتهم لا رميهم إلى أحضان السلطة.
***
إن الاستطلاع والمشاكل داخل "مديرية الخدمة المدنية" وإقالات بعض الموظفين فيها يعلّمنا أن النضال يثمر، وأنه حيث قُمنا في التوعية نجحنا في ذلك، وأن علينا أن نواظب بعزيمة أشدّ حتى اسئصال المخطّط نهائيًا، وأن الحملة يجب أن تتركّز أكثر ضد الخدمة في الجيش وليس ضد "الخدمة المدنية" حصرًا.
لا يمكن النجاح في الحملة ضد الخدمة في الجيش عن طريق المحاضرات وحسب، فهذه شريحة هي الأبعد عن الوعي وعن الوازع الأخلاقي وعن حضور المحاضرات، لذا فيجب أن يكون لنا مندوبٌ في كل مدرسة ثانوية يعلمنا عن نوايا "ابن الصفّ" في الانخراط في الجيش، لنجد الوسيلة المناسبة لزيارته وزيارة أهله مع من "يمون" عليهم، وهذا عمل مضني ولكنّه حقيقي ولا بدّ من القيام به.
***
الاستطلاع يحفّز للمزيد من العمل بهمّة وثقة في النجاح لنصل إلى كل المدارس وكل المدن والقرى، خاصّة في ظل قوانين النكبة والنشيد الوطني والسياسة "التربوية" في العسكرة وطمس الهوية القومية التي يقودها وزير التعليم، للتوعية ليس فقط ضد "الخدمة المدنية" والعسكرية، وحسب وإنما من أجل المزيد من المعرفة عن النكبة وعن يوم الأرض ومسيرة هذه الجماهير الباقية في وطنها، هو نضال من أجل أجيال موفورة الكرامة وناصعة الانتماء.
(*) رئيس اللجنة لمناهضة "الخدمة المدنية" المنبثقة عن لجنة المتابعة