أعدت وزارة السياحة الإسرائيلية حملة إعلانية لتشجيع السياحة، إحدى صور الحملة لرجلين يهوديين على رأسيهما ( الكيباه) التي يعتمرها المتدينون عادة، لم يكونا في صلاة ولا في دبكة يهودية تقليدية ولا في طريقهم الى الكنيس، بل كانا متعانقين ويتبادلان قبلة ساخنة، في إشارة بأنهما مثليا جنس، ولكن كونهما مثليين لا يعني أن ينسيا القدس قلب اليهودية النابض، ولهذا جاءت الصور على خلفية المدينة المقدسة وأهم معالمها وطبعا القبة الذهبية لمسجد الصخرة التي يعتبرونها جبل الهيكل، والحملة هي عبارة عن صرخة
يا عالم
يا هو
تعالوا شوفوا
! نحن الإسرائيليين ليبراليون وديمقراطيون، عندنا شمس وبحر وآثار، وعندنا مكان لهذه المجموعة البشرية التي تحب أن تعشق مثيلها الجنسي!
لا يوجد مجتمع قديم أو جديد خلا ويخلو من هذه الفئة، منذ مدينة لوط الى يومنا هذا!
ففي كل قرية مهما صغرت يوجد واحد أو أكثر ينتمي لهذه الجماعة! وفي قرانا يسمون الواحد منهم"ممحون"! وإذا استخف أحدهم بالآخر قال
ما عاد ناقصنا غير هذا "الممحون"!
وبهذا تكون الحملة الإسرائيلية للعالم بمفهومنا كعرب أو على الأٌقل بمفهوم أكثريتنا أن تعالوا انظروا فنحن"مماحين"!
بغض النظر عن التسمية و(الممحنة) والموقف منها! فإن هذا الإعلان يعكس أمرين، الأول أن فرع السياحة في اسرائيل يعاني مشكلة جدية منذ سنوات، والسياح الذين كانوا يملأون الشواطئ والحافلات ومحطات الباصات في المدن الكبيرة وقارعات الطرق وأسواق المدن التاريخية وفنادقها وكانوا الشغل الشاغل لكثير من الشبان بدأوا يتضاءلون الى أن صرت تشتهي رؤية سائح
أو سائحة، خصوصا ممن لا يجدن حرجا بالتعري على الشواطئ!"
وطبعا السبب الأساسي هو الأوضاع الأمنية، فمن هو المجنون الذي يأتي سائحا الى بلاد تتعرض لقصف صاروخي متواصل منها ثلاثة آلاف على جنوبي إسرائيل خلال سنوات قليلة، واذا كان الروس والأمريكان في حالة توتر بسبب بضعة صواريخ فما بالك بثلاثة آلاف صاروخ سقطت بالفعل! حتى وإن كانت الحصيلة الحقيقية لهذه الآلاف الثلاثة هي عشرة قتلى فقط، وهو ما تحصده اسرائيل في خطأ مدفعي واحد! وهذا يعكس نجاح قاذفي القسام بجعل إسرائيل تعيش حالة غير طبيعية من ناحية، ومن ناحية أخرى يعكس نجاح الإعلام الإسرائيلي بتصوير القسام وكأنه توما هوك وكروز! فالصواريخ تتساوى في الأخبار سواء كانت عابرة للقارات أو عابرة (للكارّات)
(والكارّة) هي العربة التي يجرها حصان أو حمار وحتى بغل قبل أن يجندله رصاص القناصة الإسرائيليين!
كذلك يبدو أن الدعاية العربية والفلسطينية المناهضة لإسرائيل فعلت مفعولها، والدليل إعلان رابطة المحاضرين البريطانيين نيتها مقاطعة إسرائيل بسبب جرائمها تجاه الشعب الفلسطيني! وهذا أقلق المستوى الأكاديمي في اسرائيل، حتى أنهم جندوا وفدا لإقناع الرابطة بالعدول عن قرارها تم تزيينه بطالبة جامعية عربية من حيفا كي تكون وسيلة اقناع عربية أصلية بأن المقاطعة "لا تخدم السلام"!
تريد وزارة السياحة القول من خلال حملتها أن القدس التي مر على توحيدها أربعون عاما تنافس أمستردام
ولا تغرنكم (الكيباه) على الرأس! ولا السوالف ولا مئات الألوف من المتدينين ذوي اللباس الأسود الذين يذكرّ مشهدهم بمدينة قم الإيرانية!
طبعا هذا الإعلان الشبق استفز الأحزاب الدينية اليهودية، فهدّد رئيس حزب شاس إيلي يشاي بحجب الثقة عن الحكومة إذا ما استمر الإعلان وتبعه الحزب القومي الديني ثم حزب الوحدة القومية، بينما أعلنت كتلة(ميرتس-حقوق المواطن اليسارية) أن لمثليي الجنس حقا في مدينة القدس مثل غيرهم من ذوي الميول الجنسية العادية!
قضية مثليي الجنس من النساء والرجال تشغل المجتمع الإسرائيلي كل بضعة أشهر، لأن هؤلاء يصرون على التفاخر بمثليتهم من خلال اقامة مسيرة في المدينة المقدسة بالذات وليس في تل ابيب! فيتآخى العرب واليهود من المتدينين في مواجهة(سدوم وعامورة) لمنع مسيرة ( الفخر والإعتزاز) والتي يرون فيها واحدة من علامات الساعة الأكثر وضوحا، في المسيرة يخرج كثيرون وكثيرات(من الخزانة) ليعلنوا على الملأ بأنهم من أتباع الطائفة المثلية ومنهم ابنة رئيس الحكومة أولمرت التي قالت قبل أشهر مشكورة أنها لا تتدخل بشؤون والدها، لكنها توقعت من( بابا) أن يدعم حق جماعتها بالتظاهر في القدس! مسيرة المثليين في القدس دعوة للمترددين من هذه الفئة بأن يخرجوا من العمل السرّي الى العلانية، لأن الظروف المحلية والدولية والإقليمية قد نضجت
فقد مضى على توحيد المدينة المقدسة أربعون عاما!ولم يعد صوت فيروز عن "الغضب الساطع" يهز مشاعر أحد، بل انضم بدوره ليكون شعارا من الشعارات الكثيرة التي لا رصيد لها عن التحرير والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس! وأنا متأكد أن كثيرين ما عادوا يطيقون سماع هذه الأغنية
فلا غضب عند العرب ولا يحزنون إلا عندما يكون لمحاسبة بعضهم البعض
حتى وكما تقول العامة
استوطى حيطهم "مماحين" آخر زمن!