بعد أن انتهى العدوان الامبريالي الكولونيالي على العراق، وبعد أن تورطت أمريكا قيادة وشعبا في الوحل العراقي، باشرت إسرائيل بحملتها الموتورة ضد البرنامج النووي الإيراني، زاعمة انه يشكل خطرا استراتيجيا على أمنها، وفي هذا السياق كثفت من مساعيها الحثيثة بهدف إقناع إدارة الرئيس جورج بوش وأوروبا بضرورة توجيه ضربة عسكرية للجمهورية الإسلامية بغية القضاء على منشآتها النووية
لكن هذا الأسبوع تبين لنا أن الدولة العبرية قررت فتح جبهة أخرى في هذه القضية والتي تتمثل في التوجه، عبر عدد من دبلوماسييها، إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي وتقديم دعوى قضائية ضد الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد، لأنه وفق هذه الرؤية اقترف جرائم ضد الإنسانية عندما تحدث عن القضية اليهودية (صحيفة يديعوت احرونوت الـ22 من شهر أيار/ مايو الجاري)
أولا وقبل كل شيء، باعتقادنا انه من الضرورة بمكان أن نوضح بشكل قاطع وغير قابل للتأويل: تصريحات الرئيس نجاد بالنسبة لليهود مرفوضة علينا جملة وتفصيلا
فانا بشكل شخصي كانسان وكعربي وكفلسطيني فخور بانتمائه إلى الأمة العربية والشعب الفلسطيني أومن بان تصريحات الرئيس الإيراني ضد اليهود تعود سلبا على الأمتين العربية والإسلامية بشكل عام، وعلى الشعب العربي الفلسطيني بشكل خاص
علينا أن نذوت ما حل باليهود إبان الحرب العالمية الثانية، نحن ملزمون من منطلق مسؤوليتنا الوطنية والإنسانية أن نعترف بما حل باليهود من قبل المجرم ادولف هيتلر، وثانيا نحن مطالبون أن نذوت هذا الحدث المأساوي والعمل بشكل دؤوب لمنع تكرار كوارث من هذا القبيل مرة أخرى
علاوة على ذلك، نحن ملزمون بالعمل بفاعلية اكبر من اجل إقناع العالم المتنور بالمآسي والويلات التي يعيشها الشعب العربي الفلسطيني في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، هذه المناطق التي تئن تحت نير الاحتلال الإسرائيلي منذ حوالي أربعين عاما، هذا الاحتلال الذي شوه الإنسان الذي فينا وقضى على كل حس إنساني
وعود على بدء: فيما يتعلق بدعوى الدبلوماسيين الإسرائيليين إلى المحكمة الدولية في لاهاي، نؤكد أن من حقهم إقامتها، ولكن بموازاة ذلك فان هذا التصرف يثير مسألة جوهرية يجب التوقف عندها: حتى اليوم لم يجف الحبر الذي سال عندما كتب قضاة المحكمة نفسها قرارهم فيما يتعلق بجدار العزل العنصري الذي تقيمه إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة
لأولئك الذين نسوا أو تناسوا بسبب ذاكرتهم الانتقائية نقول إن حكومة إسرائيل لم تكلف نفسها خلال النظر في القضية بإرسال ممثلين عنها، وبواسطة أبواقها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية أعلنت أنها لا تعترف بحق محكمة لاهاي في النظر في قضية الجدار العنصري، أي أنها نزعت الشرعية عن هذه المحكمة
ولا غضاضة في أن نذكر من خانته ذاكرته بان قرار المحكمة أكد أن جدار العزل العنصري هو جدار غير قانوني وإقامته تتناقض مع المواثيق والمعاهدات الدولية، وجاء في نص القرار انه يتحتم على إسرائيل هدم المقاطع التي بنتها والتوقف عن إكمال المقاطع المتبقية، كما أن القضاة قرروا إلزام إسرائيل بدفع التعويضات للفلسطينيين الذين سلبت أراضيهم بهدف إقامة الجدار
وكما كان متوقعا، فان إسرائيل ضربت عرض الحائط بقرار المحكمة الدولية وواصلت أقامة الجدار العنصري
وأكثر من ذلك: إسرائيل هي الدولة المارقة في العالم على قرارات الشرعية الدولية وتحتل "بجدارة" المرتبة الأولى في عدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن التي اتخذت ضدها، لأنها ما زالت أسيرة المبدأ الذي وضعه دافيد بن غوريون والذي لم يعر الأمم المتحدة اهتماما بالمرة وتغاضى مع سبق الإصرار والترصد عن احترام قرارات الشرعية الدولية
وبالتالي أيها السادة الدبلوماسيون، انتم الذين تعدون العدة لمقاضاة الرئيس نجاد في لاهاي: كيف يمكنكم أن تتعاملوا مع المحكمة الدولية بمكيالين: عندما يكون الأمر مريحا لكم، كما هو الحال مع الرئيس الإيراني، فان هذه المحكمة تتحول بقدرة قادر إلى مرجع قضائي مهم يجب التعامل معه، وعندما يدور الحديث عن مسالة لا تصب في مصالحكم، كما هو الحال مع قضية جدار العزل العنصري، فإنكم بكل صلافة ووقاحة تقومون بنزع الشرعية عنها؟ كيف يمكن تفسير هذا المنطق المزدوج؟
وفي هذا المضمار يتبادر إلى الذهن السؤال التالي: علام الذهاب حتى محكمة لاهاي؟ في العام 1959 اتخذت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا ينص على إعادة مهجري قريتي اقرت وبرعم إلى بيوتهم التي هجروا منها خلال النكبة في العام 1948، ولكن إسرائيل، التي أشبعتنا تشدقا بالديمقراطية، ترفض حتى يومنا هذا تنفيذ هذا القرار الصادر من أعلى هيئة قضائية فيها
في المقابل، عندما اتخذت المحكمة العليا نفسها قبل أسبوعين ونيف قرارها العنصري القاضي بمنع لم الشمل بين أبناء الشعب الفلسطيني من طرفي الخط الأخضر، أعلنت الحكومة عن قبولها للقرار وأكدت أنها ستعمل على تنفيذه بحذافيره، أي تفريق آلاف العائلات الفلسطينية وإبعاد الرجل عن زوجته والأطفال عن أمهم، إذا كان هذا التصرف ليس عنصريا ضد الناطقين بالضاد، والله لا اعرف ماذا تعني العنصرية الإسرائيلية المؤسساتية والشعبية!
ملاحظة: في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي كال رئيس الوزراء الإسرائيلي المديح للديمقراطية الأمريكية من منطلق قناعته بأنه يمثل واحة الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط: نعم ديمقراطية أمريكا تتجلى واضحة في معسكر الاعتقال في غوانتانامو وفي عمليات اختطاف العرب والمسلمين من دولهم واحتجازهم في دول غير معروفة تحت مسمى الحرب على الإرهاب، أما ديمقراطية إسرائيل فهي ناصعة كالشمس، اذ انها الدولة "الديمقراطية" الوحيدة في العالم التي تملك سجنا سريا يمنع نشر مكان تواجده ولا يسمح حتى لأعضاء الكنيست اليهود بزيارته، وعن هذا قيل ولله في خلقة شؤون
ملحوظة: منذ تسلم الزعيم العمالي عمير بيرتس وزارة الأمن قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي عشرات الرجال والنساء والأطفال من أبناء شعبنا في المناطق المحتلة، وهذا يذكرني أولا بأنه يمكنك ارتكاب جرائم حرب دون أن تكون جنرالا، وثانيا يذكرني بتصريح جبريل الرجوب لصحيفة معاريف الإسرائيلية (12
5
2006) بان شاؤول موفاز هو مجرم حرب ومكانه مضمون على كرسي الاتهام في محكمة لاهاي