كنت عائدا من البقالة المجاورة لشقتي الصغيرة في حيفا، عندما لمحت مجموعة من أجمل صبايانا يتراكضن بهرولة رياضية غير معتادة ملأتني فضولا حول سبب هذا الاهتمام بقضية بدت جادة جدا، ولكن التفسير لم يتأخر كثيرا، حيث همست احداهن قائلة أن "مهند سوف يترك نور في حلقة اليوم"، فردت عليها أخرى: "لا لقد قرأت مختصرا لحلقة اليوم ولن يكون ذلك
ولكن هنالك مفاجأة لن اقولها لكن
هيا نسرع قبل أن يبدأ المسلسل"
وهكذا انصرفت الوصيفات الجميلات لمشاهدة الحدث الأكبر
إن هذه الأمة التي تجلس على كنباتها ودواوينها وفراشها، وتبلل مناديلها بالدموع التي ذرفت على نور ومهند وتشق ثيابها رثاءا لمصير ابطال غيرها من المسلسلات المدبلجة وغير المدبلجة، هي نفس الأمة التي جلست طوال أكثر من شهر كامل امام شاشات التلفزيون تذرف الدموع على أطفال ونساء وبيوت وشوراع غزة التي كانت تقصف ليل نهار، هي نفس الأمة التي تصفق لهيفاء وهبي في حفلاتها وكليباتها، وهي نفس الأمة التي تنتقد الحكام العرب وتقدم قوائم المتبرعين بالاستشهاد من أجل فلسطين، هي نفس الأمة التي تخرج بملايينها الى الشوارع احتجاجا واحتراقا، وفي نهاية اليوم تذهب للنوم وشخيرها يمتد حتى شواطئ البحار الغربية
لقد اصبح التلفزيون لعبة هذه الأمة وغذائها اليومي، هذه الأمة التي تبحث عن قضية تبكي عليها ومن اجلها، فتارة مسلسل مهند ونور وتارة حرب غزة، أصبح هنالك نظام يومي خاص لجلسات التلفزيون والضيافة التي ترافق هذه الجلسات من شاي وبعض الحلويات والارجيلة ولعب الورق وغيرها، حتى أنه اصبح لكل فرد مجلسه وفيما اذا قام احد بالاعتداء على مكانه من الممكن ان يتم تقديم شكوى ضده للأم المتحدة بهذا الشان
لقد اصبحت هذه الأمة ضحية الفضائيات ورغبتها الجامحة في كسب المشاهدين، بعد أن كانت هذه الأمة ضحية حكامها، ومن قبل ضحية الاستعمار والجهل والفقر
ان أي قضية، حتى ولو كانت أهم قضية في العالم فلن تلتفت اليها اية فضائية عربية طالما أنها لا تستقطب ملايين المشاهدين ، لأن هذه الفضائيات لا يمكنها ادراج اي قضية مهما كانت اهميتها ما لم تحق نسبة مشاهدة تقدر بملايين المشاهدين ومن اجل ذلك يجب أن يتوفر شرط من شرطين: أو يتم ابادة شعب غزة ومسح أحياء كاملة منها أو أن تعرض هيفاء وهبي بعضا مما وهبها الله عز وجل من السيقان
وبما أنني رجل يكره الحروب والقتل وسفك الدماء، فانني أرى أنه ومن أجل وضع قضية فلسطين واللاجئين وحق العودة وقضية القدس في رأس سلم أولويات الفضائيات العربية، حتى بدون قصف منازل يومي، وحتى بدون مقتل وجرح الآلاف، من أجل ذلك وفي ظل تعثر مفاوضات الوفاق الوطني الفلسطيني بين فتح وحماس واقطاب المقاومة، فانني أقترح على السيد محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، والسيد اسماعيل هنية رئيس حكومة فلسطين المنتخبة والمقالة، أن يتنحيا عن كافة مناصبهم الرسمية وأن يعلنا عن توحيد الصفوف وراء المطربة هيفاء وهبي الأمر الذي قد يضع القضية الفلسطينية في مركز الحدث العربي بشكل دائم
وعليه فقد اتصلت بالسيد محمود عباس وبالسيد هنية وعرضت عليهما فكرتي، وقد فاجئني تحمسهما للفكرة، حيث اكدا أنه السبيل الوحيد للخروج من أزمة الصراع على السلطة ومن اجل تسهيل اعادة اعمار غزة ومن اجل اعادة القضية الفلسطينية الى اذهان العالم كقضية بريئة وانسانية، وهكذا فقد اتصلت بالفنانة هيفاء وهبي لعرض الفكرة عليها، فما كان منها إلا أن ابتسمت ابتسامة المليون دولار، قائلة : تيجي ازاي
مصدقكش، انت فاكرني
معرفكش
دقي يا مزيكا
لتتواصل الحفلة في عالمنا العربي