تتفاقم في الآونة الأخيرة آفة العنف في المجتمع العربي في البلاد في ظل الحرب الغاشمة، بشكل مثير للقلق، فلا يمرّ يوم إلا ونسمع فيه عن عمليات تؤدي إلى زهق الأرواح البريئة والتسبب بجراح للعديد من أفراد مجتمعنا. وكان آخرها مقتل مدير المدرسة المُربّي زياد أبو مخ.
ويمكن القول إن أعمال العنف انتشرت في كافة أرجاء مجتمعنا العربي، فهي ليست حكرًا على مناطق أو مدن معينة في الجليل، المثلث أو النقب. ولا يمر يومٌ إلا ونصحو في الصباح على أخبار عاجلة، تتعلق بالقتل إذا كان ذلك طعنا أم بإطلاق النار وتزهق أرواح البريئة الشباب والنساء والرجال على حد سواء.
هذا ومن المؤكد القول والجزم إن هذه الظاهرة هي ظاهرة مقلقة تضرب حصانة مجتمعنا العربي وتؤدي بالتأكيد إلى إضعافه، فبدلًا من أن نُركّز في هذه على أنفسنا كأقلية قومية مُستهدفة ونعمل على تقوية مجتمعنا بالعلم والاقتصاد والاختراع والتربية بين أبنائنا، أصبحت قضية العنف تزلزل أركان هذا المجتمع وتصيبه بالصميم، حيث تضرب بنيان هذا المجتمع وتهزّ أركانه ليكون مجتمعًا عنيفًا بالأساس.
حتى ان النساء الفنانين والمربين والأطفال أصبحوا ضحية هذه الأعمال المقيتة، ويمكن القول إن هذه الأعمال أخذت بالتزايد منذ الانتفاضة الثانية، ولا نرى أي تحرك يذكر من شخصيات ومؤسسات عربية، لمعالجة هذه الكارثة المتفاقمة، بل نسمع توجّهات عابرة للقيادات العربيّة السياسية إلى الحكومة لوقف أفعال الشرطة ومطالبتها بنزع السلاح من المُنخرطين في العنف في المجتمع العربي، الأمر الذي يترك الانطباع بأن كل من يطالب الحكومة بهذا المطلب، يعطي الانطباع بأن مجتمعنا العربيّ هو مجتمع مليء بالسلاح، وهذا أمر غير صحيح أما السلاح فيمكن القول إنه تسرب من عصابات الإجرام من الوسط اليهودي بعد ان قضي عليها من قبل الشرطة، وانتقلت إلى عصابات الإجرام في المجتمع العربيّ التي بدأت بأسباب تتعلق بالمتاجرة والفقر بنشر هذه الكمية من السلاح إلى المجتمع العربي والتي بدأت تسبب هذه العمليات الاجرامية الكبيرة.
أما على صعيد وجودنا في هذه الدولة، فقد اتضح للعيان ولكافة المراقبين، أن مؤسسات الدولة الرسمية وغير الرسمية كالشرطة ووزارة الامن القومي برئاسة بن غفير والحكومة والإعلام كلها غير آبهة تمامًا، واشدد على كلمة تماما، بما يجري داخل الوسط العربي.
فالإعلام الإسرائيلي الذي يقرّر في هذه الدولة في كلّ مشكلة كانت كبيرة ام صغيرة، انظر على تأثيره في الحرب على غزة ولبنان، وهو غير آبه لما يجري في هذا الشأن، ولا يعطي أي اهتمام يذكر لحياة الانسان العربي التي تزهق يوميًا وبأعداد متزايدة، حيث وصلت منذ بداية العام الى حوالي 200 قتيل من الشباب والنساء والأطفال من مجتمعنا العربي، حيث تغطى عمليات القتل في مجتمعنا العربي من منظور استعلائي وشماتة في بعض الشيء، ولا يشكل وسائل ضغط على الشرطة لحلّ الغاز العنف المتعددة التي تتطور يوميا،على عكس ما تفعله الشرطة في الوسط اليهودي حيث يقوم الإعلام العبري بالضغط وبشكل قوي، على الشرطة الإسرائيلية لحلّ الغاز القتل التي لا تحل في الوسط اليهودي.
لنأخذ مثلًا عملية قتل الصراف أحد مواطني نتانيا، قبل عام ابن الثالثة والسبعين عامًا، حيث قامت الشرطة باعتقال القاتل خلال يومين، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطن اليهودي الذي قُتل في موقف للسيارات في الرملة، من قِبل أحد سكان مدينة الرملة، حيث غطى الإعلام هذه العملية بشكل قوي، وتم اعتقال الجاني خلال عدة ساعات، ومن ثم بدأوا في حملة تبرّعات وصلت إلى 3 ملايين شيكل خلال 3 ايام لعائلة الضحية.
أما المغتالون من أبنائنا في الوسط العربي، سواء قتلوا في الضفة الغربية وبقطاع غزة او في كفر كنا وكسرا وام الفحم، فإنهم يُعتبرون مجرّد أرقام تضاف إلى المُعدّل العام للذين قتلوا خلال السنوات الاخيرة. ولا نسمع أي ردود فعل من الشرطة، رئيس الحكومة ووزير الأمن الداخلي، الذي يُحرّض على العرب بشكل علنيّ بدون اي خجل (انظر إلى مقتل يعقوب القيعان من قبل الشرطة في النقب).
وأكبر مثال على ذلك هو تجاهل الإعلام الإسرائيلي شبه الكامل لموت الفتاة الجامعية، آية نعامنه، من عرابة، التي اختفت على مدى يوم ونصف، ولم تأبه الصحافة العبرية سوى ذكر الحادث، ولم تذكر مسؤولية مؤسسة التخنيون ومن وراء هذه الرحلة، حيث تستّر الإعلام على دور السفارة الإسرائيلية في أثيوبيا والسلطات الإثيوبية هناك، على عكس الفتاة الإسرائيلية اليهودية التي ماتت نتيجة شربها حليب جوز الهند في تايلاند، وكم غطى الإعلام الإسرائيلي هذا الحدث كي ينبه الآخرين، على عكس ما حدث عندما يغطي أي حدث في مجتمعنا العربيّ.
وبكل هذه الحالات، فأن تصعيد وزيادة العنف في المجتمع العربيّ، إضافة إلى إهمال الشرطة والحكومة وتقاعسهما في معالجة العنف، والنظر الينا كغرباء وأرقام، وليس كمواطنين، فإن اضمحلال المرجعية الاجتماعية العربّية، هي التي تؤدي بالتالي إلى ازدياد قضية العنف وعدم القدرة للسيطرة عليها ومعالجتها بالشكل الصحيح.
وما نريده ونطالب به قيادات العربية هو العمل بشكل متواصل في وضع مسألة العنف والقتل في مجتمعنا على جدول اعمال النواب العرب، رؤساء المجالس المحلية اللجنة القطرية ولجنة المتابعة، بحيث أن عليهم عقد اجتماعات متواصلة لمعالجة مسألة العنف، ومطالبة الحكومة بإيجاد حلول سريعة، وإذا لا يتم ذلك التوجه إلى المحافل الدولية، لأنه لا يعقل أن يقتل كل عام من أقلية قومية تحكمها أغلبية أكثر من 200 شخص، بدون ان تكون لهذه الأغلبية اليهودية، أي نيّة في إيجاد حلول جذرية لهذه المسألة، وقد كان تحرّك السيد محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا، بعد مقتل المُربّي زياد أبو مخ تحرك ناجحًا في هذا الاطار، حيث عمل على الإعلان على اضراب عام في باقة الغربية، و في المجتمع العربي أيضًا، لمواجهة العنف المستفحل، لذا عليه العمل أيضًا، وبقوة مع باقي أعضاء اللجنة القطرية والنواب العرب، مِن أجل وضع هذه المسألة، على جدول أعمال المجتمع العربي وهذه الدولة غير المكترثة بقتل الأبرياء.