ركزت الديانات ومختلف التشريعات قديما وحديثا على الاهتمام بشؤون الأسرة بما يدعم استقرارها وتماسك بنيانها، لان الاسرة تعتبر النواة الأولى لبناء المجتمع وتماسكه, وهذه التشريعات والقوانين الوضعية خصت كيان الأسرة بالعناية والاهتمام وجعلت أساس العلاقة فيها ميثاقا غليظا وإحاطته بعدد من الأحكام هدفها دعم والحفاظ على استمرار الاسرة، واستقرارها لأنها تعتبر الحضن الأول والمدرسة الأولى لحياة الطفل لغاية سن الثامنة عشر.
حيث ينشأ ويتلقى القيم والتربية الأولية قبل أن يدخل مؤسسات أخرى تشارك في عملية تربيته كالمدرسة والمسجد والكنيسة والخلوة واطر أخرى ، ونظرا للتحولات الاجتماعية نتيجة الثورة التكنولوجية والانفتاح نحو العالم التي يشهدها المجتمع على مختلف الأصعدة والتي أثرت سلبا على الأسرة العربية في بلادنا ونتج عنها بعض الظواهر التي قيدت وحددت أداءها ووظائفها اتجاة أفرادها وخاصة جيل المراهقين. ومنها ظاهرة العنف الأسري التي ظهرت بشكل ملفت للانتباه داخل أسر كثيرة وأثرت سلبا على استقرار أفرادها وتنشئة اطفالها باعتبارهم الفئة الأضعف في الأسرة، وأقصد بالعنف الأسري أي تصرف مقصود يلحق الأذى الجسدي أو الضرر المادي أو المعنوي بأحد أفراد الأسرة ويكون صادر من افراد الاسرة في نفس الأسرة.
ولهذا السلوك صور متعددة يمكن إجمالها في ثلاثة صور على النحو التالي:أولا: العنف الجسدي، حيث ينتشر العنف الأسري ضد الطفل نتيجة الثقافة التقليدية والخاطئة لدى الآباء حول أساليب التربية والعقاب، كذلك يعكس إيمان بعض الآباء باستعمال العنف كوسيلة لفرض السيطرة والقوة لتقويم سلوك الأطفال وهذا دليل على عجز الآباء على إيجاد بدائل أخرى فعالة لاستخدام القوة داخل الأسرة لفرض سيطرتهم عليها وفرض القيم والمبادئ، كما أن استعمال العنف من طرف الآباء ضد الأطفال يرجع للتوتر العاطفي الذي يعاني منه بعض الآباء بسبب عدم قدرتهم على تلبية حاجيات أبنائهم الاجتماعية.
ثانيا: العنف النفسي، ويقصد منه كل إيذاء لمشاعر الطفل سواءا كان شتما أو سبا أو كلام جارح من شأنه الانتقاص من قدر الطفل والمساس بشخصه، كما يدخل ضمن العنف النفسي طرد الطفل من البيت أو حبسه فيه، ومثل هذا التصرف له آثار سلبية على نفسية الطفل لا تقل أهمية عما يخلفه العنف الجسدي عليه لأنه يؤثر على توازنه النفسي ويورث المخاوف للطفل فيصبح انطوائيا مهزوز الثقة في نفسه.
ثالثا: العنف الجنسي، والذي يعتبر من أخطر حالات العنف التي يتعرض لها الطفل في حياته خاصة إذا ما كان المعنف تربطه قربى بالطفل أو له سلطة أو وصاية عليه، ويتجرع الطفل بسبب العنف الجنسي المعاناة والآلام النفسية والاضطرابات الانفعالية التي يمكن أن تصاحبه مدى الحياة.
إن للعنف الأسري دوافع وأسبابا عديدة من بينها اضطراب البيئة الأسرية بكثرة الخلافات الزوجية وتعاطي المسكرات وإدمان المخدرات فقد أثبت بعض الدراسات أن هناك ارتباطا وثيقا بين الإدمان والعنف الأسري، كما يمكن أن يكون العنف نتيجة لأسباب اقتصادية كالفقر والبطالة أو نتيجة لأسباب أخرى اجتماعية كضعف القيم التي تحض على الرحمة واحترام الغير.
إن ضعف البنية الجسدية للأطفال تجعل منهم أكثر الفئات المعرضة للعنف داخل الأسرة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر؛ فالطفل يمكن أن يتعرض بصورة مباشرة لاعتداء أحد أفراد الأسرة الأمر الذي يسبب له الضرر الجسدي والنفسي، كما قد يتعرض للعنف الأسري بشكل غير مباشر من خلال مشاهدته للعنف الواقع من أحد أفراد الأسرة على فرد آخر من نفس الأسرة وبشكل خاص العنف الذي يقع على الأم من قبل زوجها .