ليس سهلاً الكتابة عن التطورات الأخيرة في غزة، لأن سيف قانون الطوارئ مرعب ومخيف أكثر من سماع زعيق صفارات الإنذار وأكثر من سماع دوي انفجارات. في حالة الطواري يستخدمون تعبير "توخي الحذر". ولذلك على المحلل السياسي في مجتمعنا العربي توخي الحذر في اختيار المفردات وعدم تجاوز الخط الأحمر.
حسن نصر الله اللبناني ويحيى السنوار الفلسطيني هما من جغرافيتين مختلفتين، لكن الاحتلال هو قاسم مشترك بينهما مع اختلاف كبير في نوعية الاحتلال بين بلديهما. فالأول يعاني جزء صغير من وطنه من الاحتلال بينما الثاني يعاني وطنه من احتلال كامل. الاثنان لم يلتقيا في الحياة لكنهما التقيا في الآخرة. و"الفضل" يعود لإسرائيل ان السنوار أصبح بجوار ربه.
هناك قواسم مشتركة وفوارق بين نصر الله والسنوار. القاسم المشترك الأساسي ان الأثنين قتلا من نفس الجهة. صحيح أن الشارع اليهودي امتلأ قلبه بالفرح على مقتل السنوار، وصحيح أن نتنياهو في غمرة الابتهاج، لكن كل هذا الفرح والشعور بالنصر لا ينفي حقيقة أن الأسرى لا يزالون لدى حماس. والحديث عن الفوارق أمر مهم للغاية: إسرائيل استطاعت قتل نصر الله بسبب خيانة من داخل حزب الله كما أكدت مصادر الحزب بينما السنوار قتل صدفة. نصر الله قتل وهو في اجتماع والسنوار قتل وهو في المعركة.
صحيفة هآرتس قالتها صراحة "أن قوات الجيش الإسرائيلي في غزة، التي نفذت العملية في المنطقة، لم تكن تستهدف زعيم حماس، يحيى السنوار، حيث لم يكن لديها معلومات استخباراتية مسبقة عن وجوده هناك ولم تكن تعلم أنه قد يكون متواجدا في المبنى الذي كانوا يعملون فيه، أي أنه قتل عن طريق الصدفة."
المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى دانيال هاغارى اعترف بأن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) "عملا لعدة أشهر للحصول على معلومات استخباراتية من أجل القضاء على السنوار، بينما قالت القناة 12 العبرية أنه تم التخطيط مسبقا لغارة الضاحية ( التي قتل فيها نصر الله) بسبب معلومات بنيت على مدى سنوات من قبل الشاباك والموساد ".
على كل حال نحن أمام حقيقة واضحة: نصر الله قتل خيانة والسنوار قتل صدفة. والسؤال المطروح الآن: ماذا بعد؟ فهل اغتيال قادة كبار لحزب الله وتدمير جزء كبير من بنيته سيجعله يعيد حساباته إسرائيليا والتأقلم في المنطقة كما يريد الأمريكي؟ وهذا الأمر ينطبق أيضا على حماس. فماذا بعد مقتل المخطط لعملية السابع من أكتوبر وهل اغتياله سيسرع في تحرير الأسرى لدى حماس؟ قادم الأيام سيوضح لنا ذلك.
وأخيرا...
واضح انه بعد اغتيال نصر الله والسنوار فإن نتنياهو وبحكم طبيعته ستجعل كل تفكيره ينصب على اللجوء الى استخدام أكثر للقوة ليتخيل نفسه مثل (شمشون)، الشخصية المعروفة في الاساطير الدينية اليهودية