لقد أعجبني هذان البيتان من قصيدة للشاعر المخضرم حسان بن ثابت الأنصاري.
(وأحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني = وأجملُ منكَ لم تلدِ النساءُ
خٌلقتَ مٌبَرَّأ من كلِّ عيبٍ = كانكَ قد خُلِقتَ كما تشاءُ)
فنظمت هذه القصيدة ارتجالا ومعارضة لقصيدة حسان:
فتاتي أنتِ عُمري والرَّجاءُ = وأنتِ الفجرُ يسطعُ والضّياءُ
وإنَّكِ مُنيتي وَمنارُ روحي = وَفيكِ الطهرُ يسمُو والوَفاءُ
وَلم أرَ مثلَ حُسنِكِ يا حياتي = ومثلكِ أنتِ لم تلدِ النّسَاءُ
وَإنِّي شاعرُ الأوطانِ أبقى = مع الأمجادِ والشّمسِ التقاءُ
أنا أرضُ الأغاني وَهْيَ تزهُو = وَمن زنديَّ يَنْبَعِث الشّذاءُ
أحبُّكِ كم أحبُّكِ يا فتاتي = بدونِكِ كلُّ أيامي شقاءُ
سأبقى مع لهيبِ الشَّوقِ فُلًّا = وَمُنتظرًا متى يأتي اللقاءُ
بقربكِ تنتشي أزهارُ عُمري = وَبُعدُكِ للمُحِبِّ هُوَ الفَناءُ
إلى عينيكِ فانطلقتْ قلوعي = وحيث أكونُ يزدادُ الرّخاءُ
وفي عينيكِ تاريخي وَفنِّي = ومن عينيكِ كم يحلو النداءُ
أنا صرحُ الفنونِ بلا مراءٍ = وللمكلومِ .. في شعري العزاءُ
أنا ربُّ المثالثِ والمثاني = وتجري لي الأمورُ كما أشاءُ
أعَدَّ اللهُ للشعراءِ منِّي = صواعقَ ، والجميعُ لها انحناءُ
وسيفي دائما أبدًا صقيلٌ = وللحَمقى يكونُ بهِ الشفاءُ
وشعري الدرُّ والذهبُ المُصَفّى = وتمطرُهُ المدائحُ والثناءُ
وَ "حسَّانٌ " وأفذاذ عظامٌ = فلو بُعِثوا لأشعاري اقتداءُ
جريرٌ والفرزدقُ مع أبي الطيْ = بِ صيتُهُمُ سيحدُوهُ الخفاءُ
أنا ملكُ القريضِ وَفُقتُ عصري = وَقولي الصّدقُ ما فيهِ مِراءُ
أنا ربُّ القريضِ وكلِّ فنٍّ = وَفيَّ المُنتهَى والابتداءُ
لكلِّ مَنارةٍ وَلكلِّ عِلمٍ = على طولِ المدى ألفٌ وَياءُ
إلهُ الشِّعرِ في زمنٍ عصيبٍ = وَفيهِ الخيرُ وَلّى والسَّخاءُ
وِشعري ساحرٌ كعقودِ دُرٍّ = وَيحلو الشّدوُ فيهِ والغناءُ
يُجَسِّدُ كلَّ أحلامي وَحُبِّي = وَغيري نظمُهُ دومًا هُراءُ
وَفي التجديدِ نبراسُ الأماني = بإبداعي سيرتفعُ اللواءُ
" شكسبيرُ" و" نيرودا " و" لوركا " = وَ"خيَّامٌ " لهُمْ نعمَ العطاءُ
مشيتُ على خطاهِمْ فُقتُ عصرًا = تهاوَى الفنُّ فيهِ لا رجاءُ
وهذا عصرُ لكعٍ وابنِ لُكعٍ = وفيهِ العُهْرُ يطغى والوباءُ
وإنِّي للسلامِ أتيتُ أدعُو = وَللظلّامِ في سيفي الجزاءُ
تَحدَّيْتُ الرزايا والمنايا = وَلم أحفلْ إذا جاءِ القضاءُ
"على عَجَلٍ كأنَّ الريحَ تحتي " = كأنَّ الشّمسَ من نوري تُضاءُ
هي الأمجادُ قد خُلِقتْ لمثلي = لأجلِ مبادِئِي زادَ البلاءُ
وإنَّ المرءَ بالأخلاقِ يسمُو = تُحلّيهِ الكرامة والإباءُ
وَمن باعَ المبادىءَ خانَ أهلا = فلا حِسٌّ لديهِ ولا حياءُ
غدًا لمزابلِ التاريخ يهوي = عذابُ جُهنَّمٍ فيهِ اكتفاءُ
وَإنِّي في المَعامِع مُشْمَخِرٌّ = عنِ الأوغادِ قد ينضُو الطلاءُ
شعاريرٌ لأشعاري سجودٌ = وَنُقّادٌ وَحجمُهُمُ الحذاءُ
وأجوائي المحبّة لا سُمُومٌ = ولا لؤمٌ ولا شيىءٌ مُسَاءُ
يُعَمِّدُنِي الضياءُ وكلُّ طهرٍ = وَغيري قد يُضَمِّخُهَ الخراءُ
وحيثُ أسيرُ يأتي السعدُ دومًا = طيورُ الحُبِّ ترتعُ والظباءُ
وكم غيداءَ قد هامتْ بحُبِّي = عذارى الشعرِ من دوني إماءُ
أنا ربُّ المثالثِ والمثاني = بجوِّ الفنِّ كم يُلقى الهناءُ
ربيعُ العمرِ أيامٌ وتمضي = زمانُ الرَّغدِ ليسَ لهُ بقاءُ
هيَ الأقدارُ تسلبنا الأماني = ونمضي للأمامِ فلا وراءُ
لبسنا كلَّ مكرمةٍ وَفخر = وهذا دأبُنا نعمَ الرِّداءُ
على أطلالِ تاريخ عريق = سكبنا الدمعِ كم طالَ الثّواءُ
وكم من دِمنةٍ تبكي بصمتٍ = وتلتحفُ السَّماءَ فلا غطاءُ
ديارٌ لم يَعُدْ فيها مُقيمٌ = ولا يُلفَى لأهليهَا فناءُ
وغابَ الحقُّ وانطفأَتْ شُموسٌ = وهلْ يُجدي نداءٌ أو دعاءُ
وطالَ الليلُ وانتكسَتْ نجومٌ = وَغابَ الأكرمونَ الأتقياءُ
مشينا في صحاري التِّيهِ دَهرًا = وزادَ الهَولُ ماتَ الأنبياءُ
وشعري للنضالِ .. لكلِّ حُرٍّ = لأوطانٍ تُعمِّدُهَا الدِّماءُ
وَللحُرِّيَّةِ الحمراءِ بابٌ = يُخَضِّبُهُ الرجالُ الأوفياءُ
إلى عرقِ الثَّرى وَشَجَتْ عُروقي = وَروحي إنَّ موطنهَا السَّماءُ
لنا لغتانِ من وردٍ وَقمحٍ = وتبقى الروحُ يغمُرُهَا النقاءُ
لنا جسدانِ من نورٍ وطهرٍ = لاجلِ الحقِّ أنفسُنا الفداءُ
لنا الآلاءُ لا تُحْصَى وإنَّا = لأمجادٍ سُمُوٌّ وارتِقاءُ
ولا تثني مطامحَنا صعابٌ = وَمسلكُنا وَمنهجُنا العلاءُ
تظلُّ قصيدتي نبراسَ شعبي = وَيُترعُهَا التألُّقُ والبهاءُ
مُعَلّقتي سَتمْحُو كلَّ قولٍ = لأحرارِ الدُّنى فيها ارتواءُ
لكلِّ مُتيَّمٍ صَبٍّ عليلٍ = لكلِّ مُلوَّع فيها الدواءُ
مُخلَّدةٌ حروفي كلَّ عصرٍ = ومن جيلٍ لجيلٍ لا انقضاءُ