دعونا نتساءل: هل يوجد زمن جميل وآخر قبيح؟ وكيف؟ أم أنّ الحياة تقوم على الصّراع بين الخير والشّرّ، يقول أبو البقاء الرّندي في رثاء الأندلس:
هيَ الأمُورُ كَمَا شَاهَدْتُهَا دُوَل..... مَنْ سَرَّهُ زَمَنٌ سَاءتْهُ أزْمَانُ
وهكذا فإنّ حياة الإنسان متقلّبة" الدّهر يومان: يوم لك ويوم عليك". ولولا الّليل ما عرفنا جمال النّهار والعكس صحيح. لكنّ الإنسان متقلّب كما الضّغط الجوّيّ وكما هي الحياة، يقول تعالى:" إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا. وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا." "المعارج".
ويبقى السّؤال: ما هو الزّمن الجميل؟ وإذا ما فكّرنا بالإجابة على هذا السّؤال فإنّنا سندخل في متاهة فلسفيّة لها أوّل وليس لها آخر، فكلّ إنسان له ماض وحاضر ومستقبل، ومن لا ماضي له، لا حاضر ولا مستقبل له، مع أنّ الإنسان طموح وفي الغالب لا يوجد من يرضى بحاضره -وإن تقبّله-وهو يطمح بحياة ومستقبل أفضل ممّا هو عليه. فهل الحياة تشاكس الإنسان، أم هو كثير الشّكوى؟ يقول الإمام الشّافعيّ -رضي الله عنه:
نَـعِـيـبُ زَمَـانَـنَـا وَالْعَيْبُ فِينَا... وَمَـا لِـزَمَـانِـنَـا عَـيْـبٌ سِـوَانَـا
وَنَـهْـجُـو ذَا الزَّمَانَ بِغَيْرِ ذَنْبٍ... وَلَـوْ نَـطَـقَ الـزَّمَـانُ لَنَا هَجَانَا
وَلَيْسَ الذِّئْبُ يَأْكُلُ لَحْمَ ذِئْبٍ... وَيَأْكُـلُ بَـعْـضُـنَـا بَـعْـضًا عِيَانَا
وعودة إلى سؤال الزّمن الجميل، وإذا ما توقّف أحدنا بعقلانيّة وفكّر بمنطق بما مضى من حياته، و"ما الحياة إلّا رحلة قصيرة شاقّة وممتعة" سيجد أنّ كلّ ما مرّ به جميل وماتع حتّى لو كان مؤلما ومأساويّا كموت عزيز، فالذّكريات بحلوها ومرّها جميلة دائما، مع التّأكيد بأنّ بعض "المنعزلين" المنغلقين على ذواتهم، يكونون في منتهى الرّضا لأنّهم لا يعرفون ولا يعلمون كيف يعيش غيرهم، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الشّاعر:
ذو العقل يشقى في النّعيم بعقله....وأخو الجهالة في الجهل ينعم
والإنسان في سعيه الدّؤوب نحو الأفضل لا يرضى بواقعه، ويتحسّر على ما مضى من حياته ويراه جميلا.
2-9-2024