تعاني غزّة وأهلنا هناك منذ أكثر من عشرة أشهر بسبب حرب طاحنة مجنونة أهلكت الحرث والنسل، وكادت تبيد الحجر والبشر والشجر، لكنّها في المقابل بثّت روح العطاء والإنسانية كعطرٍ فوّاح في شتّى أصقاع الأرض.
أدّى الحصار على غزّة إلى مجاعة بكلّ معنى الكلمة. حاولت مؤسّسات عديدة وجهات رسميّة بأن تنال شرف إغاثة غزّة، لكنّ تعنّت السلطات وشهوة الانتقام من الأطفال والنساء وكبار السنّ حالت دون موافقتها، ليأتي الفرج في الأيام الأخيرة، فيهبّ أهلنا العرب الفلسطينيّون في الدّاخل، من أعالي جبال الجليل مرورًا بالمثلّثين ومدن الساحل، وانتهاءً بالقرى والبلدات والمضارب العربيّة البدويّة في النقب، لتقديم أقلّ الواجب تجاه غزّة وأهل غزّة.
قال عليه الصلاة والسلام: "من فرّج عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا، فرّج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر على مسلم ستر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". كان أبناء وبنات مجتمعنا منذ اللحظة الأولى لهذه الحرب على استعداد دائم لتفريج كربات أهلنا في غزّة، لكنّ تعنّت السلطات ورفضها حال حتّى دون أن يتيح لنا التظاهر ضدّ الحرب وسفك الدماء، ليخرج من خلال هذه الحملة مجتمعنا بأكبر مظاهرة إغاثيّة عرفتها البلاد. حملات عظيمة جابت كلّ الشوارع والأحياء والبلدات، حتّى شابهت ليلة أمس ليالي العيد في قرانا ومدننا العربيّة من حيث الحركة والمشتريات.
اقبلوها منّا يا أهل غزّة، اقبلوها دواءً للوجع الّذي ينخر قلوبنا منذ عشرة أشهر ويزيد، اقبلوها عن أرواح الأطفال الّذين ناموا وتطايروا أشلاء جرّاء قصف لم يرقب فيهم إلًّا ولا ذمّة، اقبلوها عن البيوت الّتي أصبحت ركامًا، اقبلوها يا أمّهاتنا ترطيبًا لأكبادكنّ الّتي لا تزال تنزف على أبناء رحلوا وعلى آخرين لا يُعرف مصيرهم، اقبلوها من إخوانكم وأخواتكم، وليتكم تعرفون حجم المسرّة الّتي دخلت قلوبهم وهم يلمسون أغراضًا يحمّلونها السلام إلى أطفال غزّة وأمّهات وآباء غزّة. اقبلوها منّا يا أهل غزّة، وادعوا لنا، فنحن إلى دعاء الصادقين أحوج.
اللهم تقبّل من إخواننا وأخواتنا المحسنين والمحسنات، المتطوّعين والمتطوّعات. اللهمّ امسح بهذه الحملة جوع وألم وحزن وكرب وظمأ أهلنا في غزّة، وارزقهم أمنًا وأمانًا وطمأنينة وسلمًا وسلامًا، عاجلًا ليس آجل يا رب العالمين.