صدرت رواية هذا أوان الحبّ للأديبة والشاعرة إسراء عبوشي عام 2024 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية في مئة وست وعشرين صفحة ازدخرت بالمشاعر وعذوبة الخواطر الشّعرية التي منعني جمالها أن أترك صفحاتها جانبا قبل إتمامها.
قد يتساءل من تقع عينيه على هذا العنوان: هل للحبّ أوان؟ وما إن يقرأ الرّواية حتى يتّضح له أنّ لا أوان لقرع الحبّ القلوب، ووقتما يأتي يكون أوانه، وبما أنّه قد يأتي في أيّ وقت، فكلّ الأوقات هي أوان للحبّ؛ حتّى تحلو الحياة ويبدّد ظلامها.
تتحدث الرّواية عن قصّة حبّ فتاة مصريّة من مدينة الإسكندريّة اسمها سلمى وشاب فلسطينيّ اسمه كنان يدرس في مصر، بدأت الأحداث باحتفال الزّملاء في النّجاح في نهاية العام الجامعي قبل الأخير، كان كنان الأوّل على الدّفعة وكما وصفته سلمى أسمرا طويلا يتميّز بالأنفة، تشعّ من عينيه الثّقة في النّفس، يخطو بهدوء ومهابة... يصوّب كلامه بدقّة ورغم ذلك لا يعبّر عن مشاعره.
وفي أحد الأيّام حصل والد سلمى على ترقيّة في عمله تستدعي انتقالهم إلى مدينة المنصورة، فيقع الخبر على مسامع روحها كالصّاعقة، تحاول إقناع أبيها أن يتركها لتكمل سنتها الجامعيّة الأخيرة في الإسكندريّة فيرفض، وحين تذيع مي صديقة سلمى خبر انتقالها إلى جامعة الإسكندرية ترى سلمى الدموع في عينيّ كنان فيطمئن قلبها إلى حبّه وتخفّ وطأة حزنها على فراقه وبالنّهاية يتمكّن عمّ سلمى من إقناع والدها ببقائها عندهم لتواسي عدن وتخرجها من حزنها.
عدن ابنة عم سلمى أحبّت يزن وتزوّجته وعاشت معه سنة من النّعيم حتى أتت والدته لتمكث معهم فتعكّر مزاجهم بعصبيّتها وقسوتها وتعاليها واندفاعها بالكلام مما كان يجعل يزن يغيّر من معاملته لسلمى في وجودها كي لا تنعته بالجبن، ممّا جعله يفعل ما فعله والده سابقًا حين تركهم ولم يعلموا عنه شيئًا، إذ طرد عدن ولم يسمح لها بأخذ ابنتها بانا.
علمت عدن أن رواسب قسوة والد يزن لم تزن منه وأن دور الحسناء والوحش الذي لعبته بإتقان كان محض خيال. وما هي إلا ثلاثة أشهر حتى تعلم أنّ مريم -أمّ يزن- تمكث في المستشفى إثر تعرّضها لحادث، كانت ضعيفة مهزومة لا تقوى على الكلام فواظبت على زيارتها حتى تعافت وطلبت منها السّماح واعتذرت منها، ووعدتها أن تعيدها لبيتها معزّزة مكرّمة، فتفهمّتها سلمى وسامحتها.
وبحثت عدن عن والد يزن فاكتشفت أنّه أصيب بجلطة أقعدته وأفقدته النّطق، وتعرّفت على ابنته زينب، وأمّها التي أخبرتهم أنّهم عانوا كثيرا بسببه، وأنّه ترك مريم ليتزوّج حبيبته الأولى -التي فضّلت عليه رجلا غنيّا- بعد طلاقها، لكنّها كانت متطلّبة جدّا، تورّط لأجلها في الدّيون والقروض حتّى سجن فتركته مرّة أخرى، ثمّ بعد فترة تزوّجته أمّ زينب هربًا من شبح العنوسة.
رتّبت عدن لقاء لزينب بأخيها وأمّه تكلّل بأن نعمُت الأسرة المتضعضعة بجوّ من الألفة والفرح، وعادت عدن ليزن، ووعدها أنّه لن يحزنها مرّة أخرى.
افترق كنان وسلمى بعد تخرّجه، بعودته إلى فلسطين، وظلّت سلمى تعتصر ألما على فراقه، وبعد فترة تزوّجت من المهندس كريم، وسافرت معه إلى كندا، عاشت معه خمس سنوات، حصلت بها على الجنسيّة الكنديّة، لكنّها لم تجد سعادتها معه، فطلبت الطّلاق، ولبّى كريم رغبتها دون أيّ اعتراض.
بحثت سلمى عن كنان على وسائل التّواصل الاجتماعيّ دون جدوى، فسافرت إلى فلسطين بدعم وتشجيع من أهلها لتبحث عن كنان، فتبيّن فور وصولها أنّه مسافر مع أمّه إلى دبي لزيارة
خاله، وعرفت أنّه تزوّج بعد ثلاث سنوات من فراقهما من فتاة اختارتها له أمّه، لكن توفّاها الله أثناء ولادتها طفلها، فسافرت سلمى إلى دبّي وبحثت عن كنان حتّى وجدته أمامها، واجتمعوا على مائدة العشاء في سعادة واطمئنان، وكما قالت أم كنان: الوطن ليس شرطًا أن يكون أرضًا كبيرة فقد يكون مساحة صغيرة حدودها كتفين.
نجحت الرّواية بسلاسة في إيصال العديد من الرّسائل والحِكم، كان من أهمّها:
*من الصّعب نسيان الحبّ الصّادق، ومحاولة الهرب منه بعلاقة أخرى تزيد الامر سوءا، فليس من الصحيّ الدّخول في علاقة جديدة قبل التّشافي من علاقة سابقة.
* الحبّ الحقيقيّ لا يضعفه البعاد ولا المسافات، وكما قال الشّاعر:
وقد يجمع الله الشّتيتين بعدما يظنّان كلّ الظّن أن لا تلاقيا فحين يكتب لنا الله شيئا يسخّر كلّ الأسباب لنناله، ففي بداية الرّواية كان ارتباط سلمى بكنان أشبه بالمستحيل لاختلاف جنسيّاتهما، فلا هي يمكنها دخول فلسطين بسبب قوانين الاحتلال ولا هو يمكنه ترك أمّه -التي نجت من الموت بغارة إسرائيلية بأعجوبة- وحيدة والعيش في مصر فكان في زواج سلمى من كريم سببًا لحصولها على الجنسيّة الكنديّة التي أزالت عائق دخولها فلسطين.
* لا يمكن أن يقوم الحبّ على المصالح الماديّة أو الكذب، وكلّ علاقة تقوم عليهما لا تدوم كما حصل مع والد يزن الذي كان حبّه لعنة عليه أخسرته أسرته في حين كان عليه أن يعلم أنّ من تركته لأجل من هو أغنى منه لم تحبه أبدا وستتركه عند أول مطبّ آخر،
رغم كلّ ما كان يفعل لأجل إرضائها، وتقبّله أنّها عقيم وليس زوجها السّابق كما أخبرته.
* حين يسعى الإنسان الى أيّ شيء بكلّ قلبه وعقله وروحه يصل إليه حتمًا.
* تتشكّل عقد الإنسان واضطراباته النّفسية من ظروفه السّيئة التي عاشها خاصة في نشأته في أسرته، لكنّه إذا وجد الاحتواء والتّفهّم يمكنه التّشافي منها.
* امتلاك الذّكاء الاجتماعيّ له دور في معالجة الكثير من المشاكل في التّعامل مع النّاس، إذ قد يحوّل العدوّ صديقًا والقاسي منصفًا رحيمًا كما بدا في تعامل عدن مع حماتها.
* على الإنسان أن يسعى لإصلاح أخطائه القديمة، والاعتذار ممّن أساء إليهم بدلا من تكرار نفس الأخطاء مع أناس آخرين، وزيادة عدد ضحاياه ومظلوميه.
* تخطئ الأنثى حين تقبل بأيّ زوج، فقط لتعدّيها سنًّا معيّنًا خوفًا من العنوسة فتجد نفسها في جحيم زواج ضاعف عمر تعاستها وخوفها أضعافًا.
* دور الأسرة المتفهّمة في سعادة أبنائها وراحتهم النّفسيّة.
* عمل الخير والمعروف لابدّ أن يزهر وإن تاخّر.
* عدم أخذ الأبناء بذنب آبائهم، كما فعل يزن إذ لم يتقبّل وجود أخته من أبيه فحسب بل وساعدها في دراسة الطّب وساندها ليعوّضها عن حنان الأب الذي لم يحسّه كلاهما.
* ينال الظّالم عقابه في الدّنيا قبل الآخرة كما حصل مع والد يزن.
ازدانت الرّواية بالصّور الأدبيّة الجميلة مثل: "أطفح من زلال ريق الأيّام الغبراء"، "أعلك بسمتي وأمضي"، "يتضوّع شذاها بدمي"، "تؤرجح مشاعري الأمنيات"، "وما الحبّ إلا قبض ريح".
وكانت انتصارًا جميلًا للحبّ في زمن الاحتلال والحرب