رنّ هاتف حسين الساعة السادسة والنصف صباح الجمعة، يوم إجازته الأسبوعيّة، وظهر على الشاشة رقم غريب غير مُعرّف، فأجاب متكاسلاً: "مين معي؟" فردّ صوت خجول: "آسف على إزعاجك، عنّا صبّة باطون، وإذا ممكن تزيح السيّارة. خذ وقتك". في البداية استشاط حسين غضباً بسبب هذا الاتصال الصباحي المزعج الذي فيّقه من نومه، ولكن قرّر تلبية الطلب لنبرة صوت المتّصِل.
حين نزل من بيته باتجاه السيّارة، لمح على سيارة الباطون شعاراً مخربشاً بخطّ صبيانيّ، "شوفير بالوطن ولا طبيب بالغربة" فابتسم، ولا شعورياً فتح شاشة جوّاله لتصويره، فانتفض نادر طالباً عدم التصوير ممّا فاجأ حسين وأربكه.
ابتسم نادر وعرض عليه فنجان قهوة من ترمس عمّالي أحضره معه من البيت. استفسر حسين قصّة الشوفير، فقال نادر: "بلاش تفتّح مواجع ع الصبحيّات"، وباشر بالحديث؛ أنا من عائلة نصراويّة، كان والدي ميسور الحال، صاحب بقّالة في الحيّ، وحين أنهى أخي باسم الثانويّة سافر إلى إيطاليا لدراسة الطب، وكان مفخرة العائلة. وبعده بسنتين تبعه أخي سليمان ومن ثم شفيق، وكان من الصعب على الوالد تحمّل مصاريف تعليم ثلاثتهم في خارج البلاد مما اضطره أن يستغلّ كلّ مدثّراته، ويبيع اللي فوقه واللي تحته، ليقوم بالواجب. وأنا كنت قريد العش، الابن المدلّل قبل سفرهم، ولكن الحمل كان كبيراً مما اضطرني ترك مقاعد الدراسة للمساعدة في مصاريف البيت وتمويل تعليم إخوتي في الخارج.
باتت اتصالاتهم متقطّعة، يشكون غلاوة المعيشة، واقتصرت طلباتهم على المصروف والتحويلة الشهريّة، وبات السؤال عن أوضاعهم التعليميّة من المحرّمات، مما كسر ظهر الوالد.
اشتغلت بالعمار، ليل نهار، وها أنا شوفير سيارة باطون، من طلوع الفجر لنصّ الليل، لإعالة العائلة وضمان التحويلة الشهريّة بموعدها لإخوتي في الغربة، مضت 17 سنة وما بنعرف صاروا دكاترة ولّا بعدهم.
شو بدّي أقول، خلّيها ع الله، شوفير بالوطن ولا طبيب في الغربة، وما بدّي تصوّرها ع شان ما أحرج أخوتي إذا وصلتهم الصورة.