من خلال ما يكتب عما يسمونه اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، يتوقع البعض من المحللين ان تنشأ في غزة بعد انتهاء الحرب، حاجة إلى تقسيم غزة على الطريقة الإسرائيلية. وهذا التقسيم (ان حصل) لن يكون جديدا، فقد شهدت المنطقة في الماضي تقسيمات جغرافية وسياسية.
هكذا علمنا التاريخ والتاريخ لا يكذب، الذي يقول ان اتفاقية (سايكس-بيكو ( وهي اتفاقية سرية تمت فى شهر مايو/أيار عام 1916 بين بريطانيا و فرنسا لتقاسم الاراضي العربية لتحديد مناطق النفوذ بعد تهاوى الدولة العثمانية فى الحرب العالمية الأولى. صاحبا الاتفاقية اللذان قسما المنطقة العربية الى هما الدبلوماسي الانجليزي مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي فرانسوا بيكو.
التاريخ يعيد نفسه. بعد حرب الخليج الثانية وسقوط النظام العراقي، لم يكتفوا بتقسيم العراق الى كيان كردي وكيان شيعي وكيان سني، بل تقاسموه مناصفة بشكل غير رسمي بين أمريكا وايران. فسقطت دولة العراق وعاثت الفصائل العراقية الموالية لإيران وأمريكا فساداً في بلاد الرافدين وسقطت حضارة بابل.
الغزو الاميركي لبلاد الرافدين عام 2003، وحسب محلل لبناني صديق، أطلق وحوش الطائفية والمذهبية في هذا البلد، فنهشت اجساد العراقيين. وفي ظل نظام صدام حسين كان العراق موحداً اما بعد احتلال العراق ، فقد تقاسمه الاميركان مع ايران والأكراد فأنتهى العراق العربي الموحد المتقدم ، وحل المذهبيون - الطائفيون الذين ما اكتفوا بتفتيت البلد العربي الذي يحكمونه منذ 21 سنة ، بل ما زالوا ينهبونه.
سوريا أيضا لم تنج من التقسيم السياسي. فقد سقط بلد الامويين أيضا بدعم ثنائي - روسي - إيراني بين العصبية العلوية المذهبية التي تبايع ولاية الفقيه في ايران ، وبين المصالح الكردية حيث النفط والقمح والماء.
صحيفة “نيُويورك تايمز” كانت قد ذكرت في شهر سبتمبر/ ايلول عام 2013 نقًلاً عن مركز دراسات تابع لها، أن الثورة في سوريا عام 2011 تحولت من ثورة تطالب بالحريَّة لحربٍ أهليَّة، حولت البلد بسبب الصراع المذهبِي والدينِي؛ الى ثلاث كيانات: علوية، كردية وسنية. الطائفة العلويَّة التي تحكم البلاد منذ عقود، وينتمِي إليها بشَّار الأسد، رجحت الصحيفة أنْ ينشئَ العلويُّون دولتهم فِي الساحل السورِي على المتوسط، إلى جانب دولة للأكراد تمتدُّ لتلتئمَ بكردستان العرَاق، على أن ينضمَّ سنَّة سوريَا إلى المحافظات السنيَّة في العراق.
أمَّا العراق الذِي يعانِي من نعرات طائفيَّة حادة غذَّاها الغزو الأمريكي، توقعت الصحيفة الأمريكيَّة، أنْ يتحدَّ شماله مع شمال سوريَا، في دولة الأكراد، على أن يذهبَ الوسط السنِي إلى الوحدة مع سنة سوريَا، فيما سيبقى جنوب البلاد للشيعة. هكذا قالت الصحيفة البريطانية.
وأخيراً... صحيح ان توقعات الصحيفة لم تتحقق جغرافيا لكنها تحققت سياسيا فما يجري في العراق وسوريا من صراعات بين أمراء الطوائف لنهب البلدين هو خير دليل على ذلك. فهل نحن امام "سايكس – بيكو" جديدة؟