عُمرُنا يمضي خَبَبْ عيشُنا أضحَى صَخَبْ
أقبلَ الصَّيفُ كئيبًا حاملا دمعَ التَّعَبْ
قد بدَا اليأسُ بوجهٍ ساطعٍ منهُ الغضَبْ
واصفرارٌ وَشُحوبٌ وَهجيرٌ وَسَغَبْ
ساهِدٌ أضناهُ خطبٌ ذابَ همًّا وَوَصَبْ
إنَّ للصَّيفِ احتضارًا وَحياةً تُرتقَبْ
تنضجُ الأثمارُ فيهِ من نخيلٍ وَعنبْ
ينضجُ اليقطينُ والشَّمَّامُ يبدو كالذهبْ
ولياليهِ قصارٌ وبها يحلو الطرَبْ
يسهرُ العُشَّاقُ فيها وَسيزدادُ العَتبْ
يسطعُ البدرُ خلوبًا وَحيُ شعر وأدَبْ
ونجومٌ كالدّراري سرُّهَا كم يُحْتسَبْ
لم تبُحْ عن أيِّ كُنهٍ هي تجري في خَببْ
ونرى البحرَ شرودًا وَبموج مُقتضَبْ
هو عنوانُ حياةٍ ... وَفناءٌ يُرتعَبْ
أقبلَ الصيفً حزينا حاملا دمعِ التّعبْ
حاملا دفئا وَحُبًّا لوجودٍ من لهبْ
إنَ للصيفِ شجونًا ووعودًا تُرتقبْ
تكثرُ الرحلاتُ والنز هاتُ فيهِ تُطّلبْ
لا غيومٌ لا سديمٌ لا نجومٌ تُحْتجَبْ
وَيطولُ اللهوُ ثمَّ ال شّدْوُ من دونِ شَجَبْ
فيهِ نزدادُ انطلاقا والأماني تُنتدَبْ
كلُّ مجدٍ بكفاح كلُّ نصر يُكتتبْ
كلُّ يومٍ سوفَ نحيا هُ ليومٌ مُكتسَبْ
كلُّ عشقٍ عفويٍّ زائرٌ دون سَبَبْ
كلٌّ حقٍّ سوفَ يعلو كانَ دومًا مُنتهَبْ
كلُّ مجهولٍ سيأتي ونرى فيه العجَبْ
نحنُ في الدنيا كطيفٍ كلُّنا نفسُ المَطبْ
نحنُ للتُّربِ نزولٌ ستُوارينا التُّرَبْ
إنّما الروحُ ستحيا وَجسُومٌ للعطبْ
إنَّ روحي في سُمُوٍّ فوقَ كون من شَغَبْ
لا أريدُ الأرضَ دارًا جنَّةُ الخُلدِ الأرَبْ
أنا أحيا في بلادٍ وأراني مُغترَبْ
نابضٌ بالحُبِّ قلبي والمُنى لم تُسْتَجَبْ
إنَّني غرِّيدُ شعبي صرحُ فنٍّ وَخُطب
شاعر الأوطانِ قالوا إنهُ نعمَ اللقبْ
خالدٌ شعري ويبقى هُوَ ديوانَ العَرَبْ
إنَّني النهرُ عطاءً دفقُ فنِّي ما نضَبْ
نزفُ قلبي كلَّ حُبٍّ وَحُبور ٍ قد وَهَبْ
إنّني رمزُ كفاح وليَ المجدُ انتسَبْ
إنَّني مع كلِّ مظلو مٍ وَشعبٍ يُنتكَبْ
شبحُ الموتِ تلاشى هُوَ منِّي قد هرَبْ
كم ورودٍ هي تذوي وحُقوق ٍ تُغتصَبْ
رحلَ العدلُ وغابَ ال سلمُ وأرضٌ تُنتهَبْ
وأرى في كلِّ رُكنٍ شبحَ الموتِ انتصَبْ
واقعٌ صعبٌ أليمٌ قالَ هذا ما كذبْ
لم يُجَسِّدْهُ كلامٌ وَبشعر ٍ أو خُطبْ
فتلاشى كلُّ خير ٍ كلُّ أمر ٍ انقلبْ
وغدا المَسْخُ زعيمًا أصبحَ الرأسَ الذنبْ
أصبحَ اليومِ أديبًا كلُّ من هبَّ وَدَبْ
ونوادي الإفكِ تبقى للمخازي تُنتخَبْ
أكرمُوا كلَّ وضيع كلَّ مسخ ٍ مُجْتنَبْ
أبلهٍ يخلطُ شَعْبا نَ بحُمق ٍ مع رَجَبْ
وحمارٍ يرفعُ المَجْ زومَ ... والجرَّ نصَبْ
عالمٌ أضحى جحيمًا شرقُهُ أمسى كغربْ
حولنا الشرُّ ..غرابُ ال بينِ فينا قد نعَبْ
والسّواقي في وُجومٍ طائرُ الشَّوقِ انتحَبْ
كم جحيم قد عبرنا ... وعلينا قد وَجَبْ
رغم عسفِ الليلِ يبقى كلُّ حلمْ مُرتقبْ
رغم أهوالِ الدياجي موعدُ الفجرِ اقتربْ
وغدًا يندحرُ الشَّرُّ وينزاحُ الكرب
يتلاشى كلُّ ظلمٍ رغمَ أسوارِ اللهَبْ
وَنرى النورَ تهادى ونرى الليلَ انسَحَبْ
شعر : الدكتور حاتم جوعيه - المغار - الجليل -