دفعتها نشأتها في بيت صاخب لان تفكر بطريقة تخرجها منه اولا وتعطيها ما يرجوه كل انسان عاقل في هذه الحياة.. الرضا.. ثانيا. رحلتها على طريق الالف ميل نحو الوجود والرضا، ابتدأت بعد ان جابت البلدة طولا وعرضا، وكانت البداية عندما رات احدى صديقاتها تطلب منها ان ترافقها لشراء الالوان. فسألتها عن سبب شرائها هذا، فأجابتها صديقتها، لأرسم. استثارها الموضوع فعادت تسال صديقتها ما اذا كان بإمكانها ان تريها بعضا من رسوماتها فانفرجت اسارير صديقتها مرحبة بالزائرة الاولى لمعرضها البيتي. اصطحبتها من فورها وتوجهت الى بيتها لتريها ما جادت به قريحتها من اشكال والوان. تمعنت الرسومات قبالتها. واضمرت بينها وبين نفسها امرا.. شعرت لتوها انه قد يغير حياتها ويثبت لامها دائمة اللوم لها ولإخوتها الثلاثة دائمي التحفز للانقضاض عليها واشباعها لكما، بسبب وبدون سبب، انها جديرة.. وانه بإمكانها ان تصبح رسامة فنانة يشار اليها بالبنان خلال ذرعها شوارع بلدتها.
في احدى جلساتها الانتيمية مع صديقتها، سألتها عن كيفية وضعها خطوتها الاولى على طريق الفن، الصعب.. حسبما سمعت من الكثيرين. فما كان من صديقتها الا ان هوّنت عليها قائلة ان كل ما تحتاجين اليه هو ان تشتري الالوان وان تشرعي بالرسم، وزادت في تشجيعها لها قائلة ان الفن الحقيقي كما سمعت من الكثيرين، لا يحتاج الا الى موهبة وقلب قوي.
ما ان استمعت الى هذه الدُرر تخرج من فم صديقتها، حتى بادرت الى صندوق مدخراتها الصغير واخرجت منه كل ما احتواه من نقود وتوجهت الى حانوت بيع الالوان. اشترت الالوان بمحتوى قوس قزح قائلة لنفسها:" وهل يوجد في العالم كله اكثر من هذه الالوان"، وعادت الى بيتها لترسم صديقتها، الرسامة، ما ان فرغت من الرسمة حتى حملتها وطارت بها الى صديقتها لتطلعها على ابداع قريحتها. صديقتها كادت تطير من شدة فرحها انه وجد هناك في بلدتها الجاحدة، من يعرف قيمتها ويقوم برسمها كمان، وكان ان وطدت هذه الرسمة العلاقة بين الاثنتين، ومع انها توقعت ان تكون صديقتها مرشدتها الى فن الرسم، فقد فوجئت بها تدير لها ظهرها وتتوقف عن اسداء النصح لها، تخوفا من ان تعرف اكثر منها في عالم الفن والفنانين.. تحديدا. زاد في تصميم صديقتها ادارة ظهرها لها، انها والحق يقال كانت اجمل منها وربما اكثر جرأة على الهجوم والمطالبة بما تريد ويروق لها.
هكذا وجدت نفسها بحاجة الى من يأخذ بيدها ويرشدها الى ضالتها في طريق الفن المخلص. وكان ان وجدت طريقها هذه المرة بسهولة اكثر يسرا، كان ذلك بعد ان علمت من صديقة اخرى لها، ان هناك معرضا للفن التشكيلي، يقام ليلة الخميس في مركز بلدتها الجماهيري. قضت اليومين السابقين ليوم الخميس في تهيئة نفسها لزيارة المعرض الموعود، ففتحت صندوق مدخراتها مرة اخرى مُثقّلةً يدها هذه المرة واشترت ملابس تليق بامرأة طامحة.. في الثلاثين من عمرها. ارتدت ملابسها الجديدة ووقفت قبالة مرآتها، اطلقت ابتسامة من اعماق حبورها، وراحت تتأمل في تقاطيع جسدها وتكوراته الناضجة.. المكتملة، وهمست لنفسها "ان فناني هذه البلدة لا يرون جيدا"، واضافت بإصرار وتصميم:" اما انا سوف ارغمهم على ان يروا".
في الساعة السابعة من مساء الخميس، حملت نفسها وانطلقت باتجاه مركز بلدتها الجماهيري، كانت اول الواصلات. توقفت في مدخل المركز وسوّت ملابسها الجديدة مُرتبة اياها بحيث تبدو في كامل بهائها ورونقها ، ووضعت خطوتها الثلاثينية على مدخل الجالري. دخلت وعلى وجهها ابتسامة خبأتها للحظة الحاجة، وفوجئت هناك بان المعرض لفنان ذكر. الفنان رحب بها ودعاها لان تكون اول زوار معرضه. توقفت عند لوحة لفتت نظرها وسالته عما قصد بها، فراح يشرح لها بحماس من لا يعرف شيئا، ما اكد لها ما اعتقدته عنه من قلة دراية ومعرفة. هكذا تنقل الاثنان، الفنان وزائرته الاولى، بين لوحات المعرض، وقبل ان يتوقف الاثنان قبالة اللوحة الاخيرة، دخلت صديقتها ومرشدتها الفنية الاولى،.. فاقترب منها صاحب المعرض مرحبا مهللا بفنانتنا المبدعة.
اغمضت عينيها وفتحتهما واغتنمت اول فرصة لتأخذ عنوان الفنان صاحب المعرض. وحرصت على ان تنصرف بسرعة برقية، تمهيدا لأمر اضمرته في نفسها.
بعد اسبوع، هي مدة انتهاء المعرض، فتحت صندوق مدخراتها مرة اخرى وتوجهت الى سوق بلدتها الشعبية، اشترت من هناك اجمل الملابس بأبخس الاسعار. عادت الى بيتها لترتديها ولتضع وردة وراء اذنها. لاحظت امها ما فعلته فحذرتها من ان أيا من اخوتها الثلاثة لن يصمت اذا ما راها تضع وردة وراء اذنها. ربتت على كتف امها وازالت وردتها السحرية من وراء اذنها. ابتسمت امها لانصياع ابنتها لها ودعت لها بالتوفيق. لكن.. ما ان خرجت الابنة الفنانة من بيتها وابتعدت عنه بضعة خطوات، حتى تلفتت حولها وعندما رأت الشارع خاليا. اعادت الوردة الى مكانها الآمن المريح، ومضت في طريقها باتجاه بيت الفنان. لم يطل بحثها فقد كانت تعرف بلدتها بالشبر وربما بالفتر.
طرقت باب الفنان ففتح لها الباب بسرعة كأنما هو كان ينتظر زيارتها هذه بفارغ الصبر، "مَن يعلم ربما كان يتلصص من وراء نافذته"، قالت لنفسها.. ودخلت البيت الرائع بيت فنانها المبجّل والمعروف ايضا. جلس الاثنان احدهما قبالة الآخر، ولم تدر كيف ومن اين جاءت غلاية القهوة الصغيرة والى جانبها فنجانان صغيران. تناول كل منهما هما الاثنان.. فنجان قهوته بيدٍ من فن وراح يرتشف منه.
تحدث الاثنان عن الفن والفنانين في هذه البلدة وتوسعا للتحدت عن الفن في البلاد عامة، وعن الموانع الاخلاقية التي تحد من ابداع الفنان، وما ان هز الفنان قبالتها راسه موافقا وباصمًا على ان ما دار بينهما من حديث.. لامس كبد الحقيقة، حتى افتر ثغرها عن ابتسامة حافلة بالإغراء. عندما لمست منه رغبة في المزيد من الاغراء، اقترحت عليه ان يرسمها عارية، ما ان خلعت ملابسها ووقفت قبالته بتكوراتها الجسدية الرهيبة، حتى نسي الفنان نفسه وراح يتمعن جسدها كأنما هو يتعلم درسا في التشريح. وعندما لاحظت انه اقترب منها اكثر مما حدّدت له، ابتعدت وهي تقول ان الشرط توقف عند الرسم وليس عند سواه.
بعد ثلاث ساعات انتهت الزيارة تاركة وراءها رسمة لامرأة عارية ومغادرة بيت فنانها.. تاركة وراءها زفرات وحسرات على عصفور حط على فنن الفن لكنه ما لبث ان طار عائدا من حيث اتى.
وضع الفنان المكلوم يده على خده وراح يتأمل رسمة المرأة العارية قبالته، "انها غاية في الجمال والاغراء"، قال، وتابع: " لا بد من ان اطالها". هي من جاء الى فخ الرسم بقدمها ولم ادعها".
انتظر الفنان ان تعيد فناته زيارتها الى مرسمه الا انها اطالت الغيبة، وعندما اتصل بها بعد تردد وسألها عن سبب انقطاعها فاجأته بكلمات لم تخطر له على بال، قالت له انها تود ان ترسم رجلا عاريا، فسالها عما تقصد فما كان منها الا ان اخبرته انه كان من الواجب عليه ان يتيح لها امكانية اتخاذه موديلا تقوم هي برسمه. ضحك الفنان ملء شدقيه، ولم يتوقف عن الضحك الا عندما دعاها الى مرسمه، ليفاجئها بمبادرة افدح مما توقعت. مدت يدها الى اكرة الباب لينفتح بسهولة ويسر، ارسلت نظرها في كل مناحي الشقة، وراحت تتأملها واحدة تلو الاخرى، الى ان فاجأها قافزا من وراء باب شقته عاريا.. كما نزل من بين قدمي امه.
تقافزت فناتنا الثلاثينية في طول الشقة وعرضها، وعادت الى حيث وقفت في الامس عارية ورسمها لتقوم هي بدورها برسمه عاريا.
شهدت الفترة التالية ما لم يكن بالحسبان، فقد اعتاد كل من الفنانين، الفنانة وفناها، على ان يرسم كل منهما الآخر عاريا وبوضعية مختلفة عن سابقتها. عندما امتلأت الشقة بالرسومات العارية. فاض كيل الفنان المنتظر، فاقترب من فنانته الحلوة الجريئة، وحاول ان يقترب منها الا انها ابتعدت عنه تنفيذا لخطة رسمتها في مخيلتها الفنية. تحلب ريق الفنان، وجن جنونه فهجم عليها في محاولة يائسة منه لإطفاء نار شهوته، الا انه فوجئ بها تسحب سكينا خبأته لمثل تلك الهجمة المتوقعة. توقف الفنان. وادرك انه ليس امام امرأة سهلة.. كما خيل له بعد معاودتها التعري قبالته.
لم ينم الفنان خلال الليالي التالية وراح يغط في نوم نهاري. استعدادا لما طرق باب شقته من قلق فني وربما ناري مختلط بجسد احسنَ الخالقُ في تكويره. نسي الفنان كل اجساد ما سبق ولامسه من فنانات، نسي انه كان قد قرر الا يرتبط باي من الفنانات الزائرات الرخيصات، وانصب خياله عليها.. على تلك الفنانة السهلة، لكن العصية.
بعد حوالي الشهر من القلق والرغبة والاشتعال، لم يكن امام الفنان الهُمام من مفر الا ان يعرض على فنانته ان يرتبط بها بالرباط المقدس.. اما هي فقد ابتسمت وهي تقول له:" هكذا اريدك". وكانت تفكر في المعرض المشترك التي ستقيمه برفقة فنانها المعروف.. المشهور.