تحولت لعبة المعسكرات السياسية للاحزاب الصهيونية في الانتخابات الاسرائيلية الى منافسة في التطرف الامني والعداء للفلسطينين وسفك دمائهم ، ظنًاً منهم ان ذلك يستقطب مزيدا من الاصوات في الشارع اليهودي، فأصبح الفلسطيني ودمه يسفك لغايات رخيصة، وبقرار من أُناس فاقدي الحس الانساني والاخلاقي ،فاصبحت الجرائم والمجازر وقتل المدنيين والاطفال وسيلةً في الوصول الى سدة الحكم في اسرائيل اسوة بالاحزاب الفاشية في العالم والامثلة كثيرة.
ولو تفحصنا الخطوط السياسية العريضة لهذه الاحزاب والمعسكرات، لوجدنا انهم لا يتحدثون ولا يطرحون وحتى لا يناقشون القضايا السياسية الكبرى الحارقة والملتهبة، بل لا تجد في جعبتهم ابضًا اي اشارة جدية لذلك، وإن ذُكرت تكون في سياق فضفاض في برامج بعض هذه الاحزاب، وإنها تأتي لذرِّ الرماد في العيون، او في افضل حالتها لا تتجاوب مع ادنى مطلب لحقوق العرب والفلسطينين الشرعية، والمدعَّمة بعشرات القرارات الصادرة عن هيئة الامم المتحدة ،التي تضرب اسرائيل بها بعرض الحائط، مستهزئة ومستهترة بالمؤسسات والهيئات الدولية.
لم تدفع اسرائيل استحقاقات السلام والمساواة في هذين الامرين بعد، رغم ادراكها ان اي حق لن يضيع، اذا كان وراؤه مطالب!! فما بالها اذا كان وراء هذه المطالب ايضا مقاتل حرية، ومناضل من اجل المساواة والعدالة لشعب يتعرض الى البطش والظلم في وطنه!!. وهل ظنت قيادة هذه الاحزاب إذا ما تجاهلت قضيتي السلام والمساواة ونقضت العهود، انها تقنعنا نحن الموطنين العرب فيها ، وتقنع العقلاء من اليهود ان هذين الامرين قد تحققا !؟ وتقنعهم أن رايات السلام والمساواة ترفرف في شوارع دولة اليهود وساحاتها !!! ، ام انها تقنع الاسرائيلي الذي يقبع في الملاجئ بين فترة واخرى بانه يعيش في ظل سلام فيه ترفٍ وعيش فيه رغد، وقد تحولت الحراب في زمنهم الى معاول ومحاريث !! او قد آضَ دويّ المدافع والقنابل والرصاص الى قرع دفوفٍ، وسيمفونيات موسيقى في بارات الرقص والغناء في تل ابيب وحيفا وأشكلون !!!.ام ارادت هذه الاحزاب ان تقنع اليهود وًالفلسطينين انهم ليسوا ضحايا عنجهية وممارسات هذه الاحزاب وبرامجها وقيادتها العدوانية التي ترسخ الاحتلال والاستيطان وهدم البيوت وسفك دماء من الطرفين ؟
إن معسكر اليمين ومعسكر المركز- يسار على حد سواء، يحسنون ذر الرماد في العيون ، فقد اوغل قادة هذين المعسكرين في سفك دماء ابناء شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية ، وأوغلوا ايضا في التجاهل والصمت المريب الذي يشجع الجريمة المنظمة بأشكالها بين ظهرانينا، في المدن والبلدات العربية في الداخل.
أما سلوكهم السياسي بنتائجه وتجاهله وتنكره للحق الفلسطيني والعربي، هو الذي يجعل اليهود يقبعون في الملاجئ كلما توترت الاجواء واشتبكوا مع الفلسطينين والعرب في الجنوب والشمال والضفة الغربية والقدس.
وعليه ادعو الاحزاب العربية ان لا تكون جزءً من لعبة هذين المعسكرين، لطالما تجاهلت هذه الاحزاب قضية السلام العادل -مع م.ت،ف . والمساواة للمواطنين الفلسطنيين في اسرائيل ، فالمساواة لنا في الداخل موضوعة مرتبطة ارتباط وثيق بحل القضية الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة،بما فيها القدس العربية المحتلة عاصمة فلسطين الابدية.
اعلنت اسرائيل العميقة ام لم تعلن هذه الحقيقة، فهذا هو الموجه السياسي للمؤسسة اتجاه مجتمعنا ، لاننا افشلنا سياسات ومخططات المؤسسة العميقة في اسرائيل على مدار عقود من اسرلتنا او جعلنا نرضى بالفتات كما تريد، وأصبحنا عنصر ازعاجٍ لها في الساحتين الدولية والمحلية .
وقد ثَبُتَ الامر ،بالادلة القاطعة لجميع المراقبين ان الفلوس وفتات الميزانيات والحلول الاقتصادية قد فشلت في فلسطين وسوف تفشل في الداخل في تطبيق المساواة تحت طائلة القوانين العنصرية في دولة اليهود لقاء فتات ، لان الانسان السَّوِي لا يحيا بالخبز وحده.
ان ما نطرحه نحن في التجمع من وضوح في موضوعة رفض التوصية، والتشديد على خطابنا السياسي الداعي الى دولة المواطنين ، له ابعاد سياسية مهمة وحقيقية على مسار العمل السياسى المستقبلي لجماهيرنا الفلسطينية في دولة اليهود خاصة في هذا الظرف بالذات بعد سقوط منصور عباس وقائمته سياسيا بالاعتراف بيهودية اسرائيل حين قال ":ولدت اسرائيل يهودية وستبقى كذلك".
لقد ظهرت صحة موقفنا من "التوصية" التي اشغلت المشتركة منذ تأسيسها واضعفتها، وكانت سببا لهذا التصدع الذي اصاب العمل السياسي العربي في اسرائيل، فبدلا من ان تحافظ المشتركة على وحدتها وصلابتها وقوتها امام احزاب الائتلاف والمعارضة اليمينية ، وجدنا من تهافتَ من بين ظهرانينا في المشتركة على التوصية ودخول الائتلاف في ظروف ومعطيات مختلفة عن تلك المعطيات وشبكة الامان عام١٩٩٣ التي كان بين ثناياها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ، اما الدُخُول في الائتلاف تبرعا الا من الوعودالعرقوبية، او كالحبر على ورق او ككلام اللَيْلٍ الذي يمحوه النهار، اذ قاد المُوصَى عليه امام رئيس الدولة الحرب على شعبنا وسفك دماءهُ، وانتهك مقدساتنا في القدس وعلى رأسها المسجد الاقصى بوتيرة عالية ، وتحت راية خضراء لشريحة من شعبنا هي الموحدة "الحركة الاسلامية الجنوبية" بقيادة منصور عباس الذي اعلن انه لايتدخل في مواضيع امنية او في قرارات الحكومة السياسية، ناهيك انه لم ينبس ببنت شفة بخصوص الانتهاكات المتكررة للمسجد الاقصى،بل اكثر من ذلك، فقد اعترف بتصريحاته العلنية بيهودية الدولةالتي تتنكر لنا كمواطنين ،وتطبق علينا قانون القومية العنصري المنسجم معها ،وتتفنن في الحاق الاذى بكل ما هو فلسطيني.
آن الأوان لتصويب العمل السياسي في مجتمعنا العربي، من خلال مشروعٍ سياسي واضح بخطابه الرافض ليهودية الدولة والداعي الى دولة المواطنين، كي نثري النهج الوطني الصادق الذي يحتاج الى نَفَسٍ طويل " "بصْلَتْنا ليست محروقة " والزمن يعمل لصالحنا ،فعلام هذه الهرولة نحو الائتلاف والتوصية ؟
وأخيرًا وليس آخرًا ، واجبنا ان نستمر في نضالنا، بنشاط النملة ، وصبر الجمل وحدِّ السيف الذي يفصل بين الحق والباطل ،وعلينا ان نحمل مشروعنا وخطابنا، لا ان تحملنا مشاريع وخطابات دخيلة لا علاقة لها بمصالحنا وثوابتنا الوطنية .
علينا ان لا نكون جزءًا من لعبة المعسكرات في الاحزاب الصهيونية وان نمثل مجتمعنا ومصالحه بكرامةً وشموخ.
وأبدًا على هذا الطريق.
- واصل طه - النائب السابق عن التجمع الوطني الديمقراطي
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com