انحنت نحوي دلالا وهمست بصوتِ كروان:"من فضلك إربط حزام الأمان"، فنحن على وشك الطيران،
عطرُ شعرها لامس كتفي وهبّت عليّ نسائم الحنان،..
سمعتها، لم أسمعها، لا أدري!!، فأنا لا أتقن تفسير صوت البلابل،..
تركتُ الحزام على غاربه، تركتُه هكذا، دون ربط، بلا مشاكل،..
عادت في اللفّة التالية، وقفت جنبي، حدّقت بي بعينين ناعستين سوابل،..
غرّدت: "ألم أقل لك لُطفا أن تربط حزام الأمان؟؟"
الطائرة ستُقلع حالا، ستمخُرُ بنا توّا، عباب السُحب الأوائل،..
أجبتها: سامحيني أنا لا أتقنُ فنّ ربط الحزام!!،..
رُبّما تساعديني؟؟ أكُن لك شاكرا على طول الزمان،...
ابتسمت بخفرٍ و"خُبثٍ" وقالت: "حسنا، سأحضر لك زميلا "خبيرا". زميلي "عريقٌ" في لعبة الأياّم!!! وفي دُنيا "صيد الأيايل"،...
اصطادتني هي حتى قبل أن أبدأ في رسمِ البدائل!!!
أصبحنا فوق السحاب، نُجدّف في بحر الغيوم، نخترق تلال القطن، جبال الثلوج، كأننا جُندٌ نرابط ع التخوم،....
لمحتها رأيتها تأتي تقفز طربا كمُهرةٍ إنفلتت من بين النُجوم،...
عطرها الفوّاح يسبقها، يتبعها ترُشّه عبقا على الجانبين،..
تُدغدغ أنوفا، تُشنّف آذانا تأسر لُبّ عقلِ الراكبين،....
عطرها يفتح شهية شهوة الرجولة، تلاطم أمواج البحر فوق الصخور،نهرٌ يسيلُ ماء عذبا بين ضفّتين....
نم يا هذا لا تحلم نم قرير العيون،..
إنسى المهرة، إنسى النجمة، إنسى كحيلة الجفون،..
فاسمك ولقبك لا يسمحان بمثل هذا الجنون،...
فأنت لم تعهد أبدا حياة السهر والمُجون،..
صوت البلابل يُغري مثل صوت الحسّون،...
حصانك جامحٌ لكن إهدأ قليلا، فسرّك بمليون....
يأتي صوتٌ عبر الأثيرِ ويصدح: "سيداتي سادتي رجاء إعدلوا ظهر المقاعد،إقفلوا الطاولات أمامكم التزموا المطرح،..
ستحطّ بنا الطائرة حالا في مطار العاصمة،..
نشكركم على اختياركم لأجنحتنا الباسمة،..
نلقاكم على خيرٍ في المرّة القادمة،..
وتشرع بلفّتها الأخيرة،تغمر الركّاب عطرا ووردا وودّا وسكينة،..
تقف بجانبي، قصدا، تبتسم، شفتاها حبّتي فراولة،...
تنحني نحوي دلالا وتهمس: "من فضلك إربط حزام الأمان".
كاتب ودبلوماسي فلسطيني