ماذا نفتقد في التنظيم السياسي؟ قد لا يفاجئك البعض بالقول: نفتقد التخطيط ونفتقد المتابعة ونفتقد التنظيم، ونفتقد التوجيه، ونفتقد القيادة، ونفتقد المحاسبة ونفتقد التناغم ...الخ من الأسباب التي قد يكون الكثير منها مُحق، والبعضُ منها مستند لتجربة جزئية أو شخصية. ولا يعني تشخيص الخلل قدرة على إصلاحه وإن كان يمثل مفتاح الحل هو الاعتراف به، ثم شحذ الإرادة للتغيير دون الوقوف ساكنًا مفترضًا أن الريح ستزيل ما على صفوان من غبار.
بمعنى أن القدرة على تحسّس الأخطاء والنواقص قدرة مشهودة ومطلوبة، ولكن إن ارتبطت بشخصية انسحابية أو سوداووية (لطّامة) تفتش وراء الخطأ فقط، ولا ترى بصيص أمل فإن القتامة تلف العيون وتمنعها عن رؤية الشمس.
نعم من المطلوب أن نتلمس مواضع الخلل وأن نضع الأصبع على الجرح ثم نشحذ الهمّة للتغيير وهو مما قد نفتقده في كثير من التنظيمات السياسية أو المجتمعية أو الثقافية حين تبرك عقلية التواكل والشماعة والنعي.... مكان عقلية الشحذ والتجدد والابداع والعمل والاقدام والصبر والمثابرة.
افتقاد النقاط المذكورة سابقًا سبب رئيس فعلًا لضعف أو كسل أو ضمور فعل التنظيم، الجماعة أو تشوه صورته، وسبب لتضعضع فعل الجماعة المنظمة، ومما لا شك فيه ان للمناخ القيادي دورًا رئيسًا وفي غالب التنظيمات المركزية يكون حاسمًا..
ودعوني في هذه العجالة أتحدث عن فكرة المهارات التي أراها ذات ضرورة في العمل المؤسسي او التنظيمي من زاوية عمل الفريق/المجموعة فقط ليس تقليلًا من أهمية ما كل سبق وإنما تركيزًا في نقطة محددة.
يذكر خبراء الإدارة والمنظمة (التنظيم) إنك إن كنت في إطار تنظيمي ذي بلبلة ما فإن السؤال الأول الممكن أن تطرحه على نفسك هو عن جدوى ما أنت فيه؟ وهل أنت في المكان/الفريق المناسب أصلًا أم لا؟ وهل تشعر بالرضا أم لا؟ وهل تتشارك/تتواصل جيدًا مع الآخرين أو هم يتواصلون جيدًا معك؟ أو أنت في قطيعة؟ ومن هنا يبدأ حُسن النظر في موقعك أو موضعك ضمن الجماعة.
ولتفهم موقعك/دورك/منزلتك عليك أن تسأل وتتحقق من ذاتك وصِلاتك من عدة زوايا هي بالحقيقة مهارات يمكن تنميتها مثل هل في الفريق صِلات وروابط تناغمية؟ حيث تقول الباحثة "فانيسا فان إدواردز" أن الأوكسيتوسين هو الهرمون الذي يساعدنا على الشعور بالارتباط بالآخرين. إنه أمر بالغ الأهمية لتعاطفنا وذكائنا الاجتماعي. وأظهرت الأبحاث أن الأوكسيتوسين يساعدنا في تحديد إيماءات الوجه بسرعة أكبر، كما أنه يسرّع من معالجة المعلومات الاجتماعية الإيجابية ويعزز ثقة المجموعة. بعبارة أخرى ، هذا هو التفسير الكيميائي وراء تماسك الفريق.
لربما في ظل تكاثر المشاكل والتداخلات والتعارضات بين الأشخاص ضمن الإطار او الجماعة يستهين الكثيرون في التنظيمات السياسية بمفاهيم تحسين التواصل والبناء الذاتي ضمن عقلية ان الوضع السياسي أو"القضايا الكبرى"! هي الأهم فيعلقون في ذاتهم وفي بيئتهم ومحيطهم ما بين البيئة الطاردة وتلك الحافظة أوالحافزة.
وحين يتم الحديث عن المهارات في الفريق في الأسلوب أو الكيفية يقولون: شارك الضحكات ، وأظهر لغة جسد منفتحة ، واتكئ وابنِ الدفء غير اللفظي بينما تتعرفون على بعضكم البعض لفظيًا. والى ذلك يوصون بتطوير المهارات الاجتماعية من مهارة الفكاهة وإظهار السعادة ومهارة التعاون التي تشجع على الاخلاقية والحميمية.
ويرى هؤلاء الخبراء حسب "فانيسا فان إدواردز" أيضًا أن ضرورة التعامل مع الانطوائيين والمنفتحين بالفريق يجب أن تكون مهارة لا تخطّيء أوتدين بل تتفهم وتتعامل.
وفي مهارة التعلم يقولون: تجنب غرفة صدى الصوت، حيث أن "التعلم" لا يعني التعبير عن نفس الأفكار أوتكرارها. بل التعلم يتعلق بالتحدي والتساؤل والتحقيق في الأفكار.
ولننظر كيف يفهمون الاتصال الجيد داخل الفريق حيث يعتبرون ما يسمونه "التردد العالي" هو حيث: تتبادل أفضل الفرق عادةً عشرات الاتصالات أو نحو ذلك أو مرات في كل ساعة عمل. ويعتبرون أن "نسبة التحدث" في أفضل الفرق/الجماعات هي عندما يتحدثون ويستمعون على قدم المساواة.
ثم يشيرون لدراسة تتعامل مع "الرقم السحري" للفريق كما تذكر"إدواردز" التي ترى بالدراسة العميقة ان الفريق الفاعل جدًا (الزمرة) من 5 أعضاء، وأن مجموعات التعاطف حدها 15 وأقصى حد لفريق فاعل هو فقط 35 عضوًا، واستثناء مقننًا الى 150 عضوا! لماذا؟ كما يقول صاحب التجربة عالم الأنثروبولوجيا "روبن دنبار" لأن أكثر من 150 أكبر من اللازم؟ حيث لا يستطيع الدماغ التعامل مع أكثر من 150 وصلة في وقت واحد.
يجادل الخبراء كما تذكر "إدواردز" بأن الفرق أو الجماعات الفاعلة داخل التنظيم المجتمعي او السياسي اوغيره تحتاج إلى تنوع في المهارات بقدر ما تحتاج إلى التنوع العرقي والجنساني والاقتصادي، ويسمون هذه الفرق بأنها المكونة من دماغ كامل.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com