يحلو لي في كُلِّ مساء أن أجلسَ على شرفة بيتي المتواضع المُطلّة على الشّارع العامّ ، استمع احيانًا الى ترنيمة ، أو أكتب قصيدة أو نجوى أو قصة ، أو اطالع مقالًا أو روايةً ، وأحيانًا أهيم بالسّماء فأروح أناجي خالقها الجميل
ولا يمرّ مساء متقدّم أو متأخّر ، حتى يمرّ من تحت شرفة بيتي كوكبة من الشبيبة الصغار، بل قل من الصّبيان والتي لم تتفتّح أزهارها بعد ، يحمل أفرادها أو جلّهم سجائر إلكترونيّة ينفثون دخانها بشغف، وكأنّهم قبضوا على أعناق الأحلام ومرابع الأيام
فينقبض قلبي
كيف لا ؟!! وهو يعشق الحياة ، ويمقت كلّ ظلٍّ أو خيال ظلٍّ يُعكّر صفو هذه الحياة ، فكثيرًا ما كتبت وتفوهّت ضدّ السيجارة التبغيّة العاديّة ، وحاولت جاهدًا أن اثنيَ الكثيرين وخاصّةً أحد ابنائي الذي تعاطاها ، الى أن نجحت فصفقتُ فرحًا
وجاءت ميلاد هذه السيجارة ، فولدت في الصّين وترعرعت ونمت وراحت تنتقل وتحجّ الى كلّ البلدان حتى وصلت اقاصي الدُّنيا ، فانبهر بها الشباب وعشقتها الصّبايا ، فغدت امنية وحُلمًا وقصيدة أمل !
لم يرق لي الأمر كما لم يرق لكثيرين من الأهل الذين يعلمون - وقد لا يعلمون - أنّ صغارهم يتعاطونها
فدخلت موقع عمو جوجل لأجد أنّها لا تقلّ ضررًا عن السيجارة التبغيّة ، فقد تُسبّب مرض السّرطان وقد تضرّ بجهاز التنفّس وتدعو الكثير من الأمراض لزيارة الأجساد ، فالنيكوتين فيها يسرح ويمرح ويزرع الحنايا والخبايا ضررًا وأذىً
قال لي أحدهم :
انّها أخفّ ضررًا يا أستاذ ، فدخانها لا يؤذيك أنت الجالس على شرفة بيتك، بل وحتى قبالتي حتى ولو كنت في متنزّه ، بل أنك لا تشمّ كما السيجارة العاديّة رائحة التبغ ، فضحكتُ قائلًا : اذا كانت السيجارة العاديّة مُصيبتيْن يا هذا ، فالإلكترونية في احلى الحالات مصيبة تسرق الفرحة والصّحة وأحيانًا الحياة
للأسف أقول ايضًا : لقد أضحت هذه السّجائر موضة وظاهرة يتباهى بها طلّابنا وشبيبتنا ، وهم بعد في عمر الرّياحين والزُّهور
موضة تجرفهم الى حضنها المخمليّ !!! ثمّ تروح وتقنعهم أنّها للحضارة عنوان وللرُّقيّ مظهر جميل
حان الوقت أن يلتفت الآباء والمُربّون الى هذه الظّاهرة المقيتة ، فيجتثونها من أصولها تارةً بالإقناع ، وطورًا بالمحاضرات والتوعية، وأُخرى بالتأديب لو لزم الأمر
أتُراني سأردُّ الى قطيعي الجميل بعد هذه اللفتة الصادرة من القلب بعضًا من الخِراف الضّالّة ؟
لعلّ وعسى !