لقد اختلفت الأمة عبر تاريخها حتى في العقائد، فظهرت الطوائف والتيارات والفِرَق، ولم تختلف على أمور أخرى كان منها وعلى رأسها حادثة الإسراء والمعراج الى القدس والمسجد الأقصى في القدس بفلسطين حتى يأتيك اليوم من يشوّهون التاريخ ويكذّبون اجماع الأمة، ولمصلحة مَن؟ إن لم تكن لمصلحة العدو من جهة، أو لغرض الفتنة والتهكم على الامة كما يفعل كيدار، أو لتبرير عجزهم وتخاذلهم ونذالتهم، وتخليهم عن فلسطين والقدس في أحلك لحظات التاريخ.
1-ليعلم من لا يعلم أن المسجد الأقصى في القدس من فلسطين، وحسب المسلمين عامة هو كل مادار حوله السور بمساحة 144 ألف متر مربع مشتملًا على المسجد القبلي ذو القبة الرصاصية، وقبة الصخرة الذهبية اللون، والمباني الأخرى جميعها وكافة الساحات وذات الأسوار.
الآن دعنا نتفحص بعض الأحاديث الشريفة الموثقة لنفصّل بالأمر حول القدس وأهميتها والمسجد الأقصى المبارك
2-المسجد الأقصى أولى القبلتين: فلقد روى البخاري (399)، ومسلم (525) عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَة ِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)، فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ".
3-الإسراء الى القدس والأقصى في فلسطين حيث قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الإسراء/ 1
والمسجد الحرام هو مسجد مكة، والمسجد الأقصى هو بيت المقدس-فلسطين، بلا خلاف بين المسلمين، قال ابن كثير رحمه الله:" (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ إِيلِيَاءُ"-اسم القدس الروماني " انتهى من " تفسير ابن كثير “ (5/ 5)
وروى البخاري (4710)، ومسلم (170) عن جَابِرَ بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) .
4-الرسول يحدّد علامات القدس، وكما يورد الشيخ محمد صالح المنجد مما نقلنا عنه، ونواصل قال: وروى أحمد أيضا (3546) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: (أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ جَاءَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَحَدَّثَهُمْ بِمَسِيرِهِ، وَبِعَلَامَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَبِعِيرِهِمْ ... )
5-عظمة المسجد الأقصى في الاسلام: وروى مسلم (1397) عن أبي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ=القدس) .قال النووي رحمه الله :" إِيلِيَاءُ هُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ... وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ" .
6-حدود الأقصى تاريخيًا: اما عن حدود المسجد الأقصى في القدس فينقل زياد بن عابد المشوخي ليقول: حدود المسجد الأقصى كما جاء في مجموعة الرسائل الكبرى للشيخ ابن تيميه: [المسجد الأقصى اسم لجميع المسجد …وقد صار بعض النّاس يسمّي " الأقصى" المصلّى الذي بناه عمر بن الخطّاب في المقدمة … وإنّما المسجد الأقصى كل ما حاط عليه سور الحرم].
7-القدس خير من الدنيا وفيها: ويضيف المشوخي: عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: تذاكرنا - ونحن عند رسول الله - أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن (حبل) فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا. قال: أو قال: خير له من الدنيا وما فيها"، أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وصححه الألباني.
وفي الحديث أن صلاةً في المسجد الأقصى بمائتين وخمسين صلاةً فيما سواه عدا مسجدي مكة والمدينة، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَحَادِيثُ فِي فضل الصلاة في المسجد الأقصى، قَالَ الْجُرَاعِيُّ: [وَرَدَ أَنَّ الصَّلَاةَ فِيهِ بِخَمْسِمِائَةِ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيِّ الدِّينِ: إنَّهُ الصَّوَابُ].
8-وعن الثبات والصمود والمقاومة بالشام ومنها فلسطين خاصة عند حلول الفتن وما الاحتلال الا الفتنة الكبرى للأمة بهذا العصر: فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " بَيْنَما أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ" أخرجه أحمد. في الصحيحين من رواية أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا" .
9-وفي مقام الطائفة المنصورة ما كان يردّده دومًا الخالد ياسر عرفات رحمه الله ليقرّ في قلب الامة وروحها تحرير فلسطين والقدس والأقصى: قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الحق، ظاهرين على من ناوأهم وهم كالإناء بين الأكلة، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال :" بأكناف بيت المقدس " . أخرجه الطبراني في الكبير وصححه الألباني.
10- المنكرُ للأقصى ضالٌ: حيث يعلق الشيخ المنجد قائلًا: لا يطلق المسجد الأقصى في الشرع إلا على مسجد إيلياء، وهو بيت المقدس، وهذا باتفاق المسلمين. ويضيف: فمن قال: إن هذا ليس الأقصى الذى في فلسطين، ولكن في الطريق من مكة إلى الطائف كان هناك مسجدان: المسجد الأدنى والمسجد الأقصى، فهو هذا: فقد ضل سواء السبيل ، وخالف الكتاب والسنة وإجماع الامة ، وافترى على الله كذبًا .
11-اما عن المكانة الحضارية للقدس والمسجد الأقصى لدى الأمة فيكتب أحمد مخيمر في موقع الألوكة قائلا: حَرَصَ المسلمون منذ الفتح العُمَري على شَد الرِّحال إلى المسجد الأقصى المبارَك للصلاة فيه ونشر الدَّعوة الإسلاميَّة، حتى إنَّ الخليفة الفاروق عُمَر قام بتكليف بعض الصَّحابة الذين قدموا معه عند الفتح، بالإقامة في بيت المقدس والعمل بالتعليم في المسجد الأقصى المبارك إلى جانب وظائفهم الإدارية التي أقامهم عليها. فكان من هؤلاء الصحابة عبادة بن الصامت ، أول قاض في فِلَسطين، وشداد بن أوس
وواصل علماء الإسلام من كل حدب وصوب شَد الرِّحال إلى المسجد الأقصى للتعليم فيه، فكان منهم مقاتل بن سليمان المفسر، والإمام الأوزاعي فقيه أهل الشام، والإمام سفيان الثوري إمام أهل العراق، والإمام الليث بن سعد عالم مصر، والإمام محمد بن إدريس الشافعي أحد الأئمة الأربعة.
12-وقد شهد المسجد الأقصى في القرن الخامس الهجري حركة علمية قوية، جعلت منه معهدًا علميًّا عاليًا لعلوم الفقه والحديث؛ ذلك لكثرة ما وفد إليه من علماء المسلمين وأئمتهم للتدريس فيه، والذين كان أشهرهم حجة الإسلام أبو حامد الغزالي. وقد ذكر الإمام الغزالي أنه شهد 360 مدرسًا في المسجد الأقصى، الأمر الذي يؤكد المكانة الرفيعة التي يتمتع بها المسجد المبارك عند المسلمين.
13-وبعد تحرير صلاح الدين لبيت المقدس عادت الحياة العلمية والدينية في المسجد الأقصى بعدما انقطعت ما يقارب قرنًا من الزمن إثر الاحتلال الصليبي له. فقد عاد المسلمون على اختلاف طبقاتهم إلى شد الرحال إليه لزيارته والصلاة والاعتكاف فيه من جهة، والعلم والتدريس والمرابطة فيه من جهة أخرى. (يتبع)