جلست أُمُّ رِضا في بيتِها مُحتارَةً ومُتَأَلِّمَةً بسببِ الْوضعِ الْمالي الصَّعبِ وظُروفِ الْمعيشةِ الصَّعبةِ. وكانت تُفَكِّرُ بأولادِها الثَّلاثةِ, ماذا وكَيْف تُطعِمُهُم وكيفَ ومِن أَينَ ستشتري لَهُم ملابسَ الْعيدِ, والْعيدُ على الأَبوابِ.
وكانَ الأَولادُ يقومونَ بِحَلِّ الوظائِفِ الْبَيتِيَّةِ, وينتظرونَ والدتَهُم في إِعدادِ الطّعامِ. وعندما أَحَسّوا بالْجوعِ, سألوا بصوتٍ واحدٍ: أمِّي, هل حَضَّرْتِ لنا الطَّعامَ؟ نحنُ مَيِّتون منَ الْجوعِ. فَتُجيبُهم الأُمُّ: سامِحوني يا أولادي لأني ما طبخْتُ شيئاً. فلا يوجدُ عندنا شيءٌ, لا أرُزَ ولا لَحْمَ. حتّى غاز لا يوجد, وسأعملُ لكُم بطاطا مَشْوِيَّةً على كانونِ النّارِ. الأولاد يُجيبون: وكيفَ سَنُعَيِّدُ يا أُمّي بهذا الحالِ والعيدُ بَعْدَ يومينِ!؟ فتُجيبُ الأُمُ: أَنتم عارفونَ الْوضعَ يا أولادي, لم أُذَكِّرُكُم بالْعيدِ حتى لا تتمَغّصوا وتَتَحَسَّروا. فَإِذا كانَ الطّعامُ ينقُصُنا وليسَ باستِطاعَتِنا الحصولَ عليهِ, فكيفَ سَنشتري الملابسَ الجديدةَ للعيدِ!؟ وكانَ جوابُ الأولادِ البُكاءَ ومَسْحَ الدّموعِ من أَعْيُنِهم. وفجأةً تدخلُ بنتُ الْجيرانِ واسمُها حنان, فتُلْقي التحيّةَ عليهِم, وتتفاجأُ عندما رأتهُم يبكونَ. فسألتْ والدتَهُم: ما بِهم الأولادُ يبكون!؟ هل أغضَبوكِ وقُمْتِ بضَربهِم!؟ فتُجيبُ الأُمُّ: لا يا حبيبتي. لم أَضربْهم فَهُم أولادي وأنا أُحِبُّهم جِدّاً. ولكنهم يبكونَ لأنهم لا يجِدونَ ما يأكلون. والعيدُ اقتربَ ولا يجِدونَ ما يلبَسون. حَزِنت حنانُ لأَجلِ الأولادِ وقالت: انا سأُساعدكُم, إطمَئِنّوا. رجعت حنانُ الى بيتِها وقَصَّت على أُمِّها ماذا رأَتْ في بيتِ أُمِّ رِضا. فَتُجيبُها والدتُها واسمُها أُمُّ فاضِل: بإِمكاننا مُساعدَتَهم يا حبيبتي. وبمُناسبةِ الْعيدِ سَنَتَصَدَّقُ عليهم. لأنَّهُ واجبٌ علينا وعلى كُلِّ إِنسانٍ أن يُعطي الْفقيرَ. وسَأُحَضِّرُ لَهُم من الطَّعام الأرُّزَ والسُّكرَ, أَلْقَهوةَ والطَّحينَ, أَللُّحومَ والْحُلوَياتِ. وكُلُّ واحدٍ منكُم يا حنان أَنتِ وإخوتُكِ بإِمكانكم أن تعطوهُم من الْملابسِ والأحذِيةِ الَّتي صَغُرَتْ عليكم من السَّنَةِ الْماضِيَةِ وهي جديدةٌ, وأن تضعوها في الْكيسِ وتأخذوها لَهُم هديةً. فأنتم لا ينقصُكُم شيءٌ وستشترونَ الْمَلابسَ الْجديدةَ. وبَدَل أن تبقى الْملابسُ الْجديدةُ مُعَلَّقةً في الْخزانةِ إهْدوها لهُم, وسيشعُرونَ بفرحةِ الْعيدِ. وبهذا نكونُ قَد عَمِلنا حَسَنَةً معَ الْفقيرِ. لأنَّ اللهَ في كُتُبِهِ الدّينيةِ يطلبُ أن يَتَحَنَّنَ الإنسانُ على أَخيهِ الإنسانِ ويَمُدَّ لهُ يَدَ الْعَوْنِ والْمُساعَدَةِ, وأن لا يفرحَ لمُصيبَتِهِ.
وبينما كانت أُمُّ رِضا تُكَلِّمُ نفسَها وَتُصَلّي وتقولُ: حتَّى الْخُبزُ لا نجدهُ ولا الطَّحينُ! ماذا أعمل يا رَبّي ساعدني. وفجأةً تدخُلُ أُمُّ فاضِل وأولادُها والأكياسُ بأَيديهم ويقولون: مرحباً يا خالتي
وكيفَ حالكُم يا حِلوين؟ لا تخافوا. سَتُعَيِّدونَ وسَتَلبَسونَ الْملابسَ الْجَديدةَ على الْعيدِ مثْلَنا. فيفتحونَ لهُم الأكياسَ ليختارَ كُلُّ واحدٍ الْبدلةَ الْمناسِبَةَ لمِقياسِهِ. وكم كانت فرحتُهم! هذا يقول: هذهِ الْبَدلةُ لي وذاك يقولُ هذِهِ تُناسِبُني. ثمَّ يقيسونَ الأحذيةَ وَهُم يرقُصونَ منَ الْفَرَحِ, فيُقَبّلونَ أصحابَهم ويقولونَ لهم: شُكراً لكم. لأنكم أَنْقَذتُمونا. أَلآنَ سنشعرُ بِلَذَّةِ الْعيدِ. ثمّ تُعطي أُمُّ فاضِل الْكيسَ الثَّاني لأُم رِضا وتفتحُهُ وإذا فيهِ الطّحينُ والأَرُّزُ, أَلسّكرُ والْقهوَةُ, أَللّحمُ والْحلويات, فتشكرُها وتقولُ: اللهُ يخلّيكِ يا جارتَنا. لأنّكِ غمرتيني بفضلِك وأنقَذتِ أولادي على الْعيدِ. واللهُ وَضَعَ الرَّحْمَةَ في قلوبِ النَّاسِ حتّى يَعطِفوا على بعضٍ. ولا أَدري كيفَ سَأَرُدُّ لكُمُ الْجميلَ الّذي لا أَقدِرُ عليهِ. فتُجيبُ أُمُّ فاضِل: نحنُ نعملُ لِوَجهِ اللهِ. وهذهِ تُعَدُّ صَدَقَةً. فلا تَقلَقي وكوني مطمئنّةً, وكلُّ عامٍ وأنتِ وأولادُكِ بألفِ خيرٍ .