بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب الصديق عبود العورتاني: "كلما أرى كلماتك اتألم وأقول في نفسي أين نحن من تلك الاسيرات الشامخات وحكوماتنا العربية تتصارع من يُرضي المحتل أكثر......هل سيسامحنا الله؟ نحن كأفراد ليس بيدنا شيء لنفعله سوى الدعاء لهن......اللهم أنت تعلم اننا نتألم، اللهم فك قيد اسرانا واشفي اسيراتنا المريضات وارحم من استشهد منهن......سلامي لهن جميعا .... أرجوك أن تقول لهن ان هناك اخ لكم في الاردن يدعوا كل صلاة فجر أن يفك قيدكن.... أبكيتني يا اخي حسن".
وعقّب الشاعر صلاح أبو لاوي: "لم تعد الأسيرات، ولم يعد الأسرى، مجرد أرقام في دائرة السجون الصهيونية، فالنوافذ التي فتحتها صديقي الأستاذ حسن جعلتهم على تواصل فاعل مع العالم، ومن خلال كتاباتهم، وكتاباتك عنهم، ولقاءاتك بهم، صارت الحرية قاب قوسين أو أدنى. لك التحية ولهم الحرية العاجلة"
"فرحة مع غصّة"
التقيت صباح الأحد 03.07.2022 في سجن الدامون بالأسيرة روان نافذ رضوان أبو زيادة، وكانت الزيارة مشحونة إثر وفاة الأسيرة سعدية فرج الله "مطر" صباح أمس ضحيّة الإهمال الطبّي المتعمّد من قبل سلطة السجون القمعيّة (وكنت قد شاركت بجنازة رمزيّة للأسيرة، نظّمتها مجموعة "نشطاء من أجل أسيرات الدامون" أمام سجن الدامون)، ووصفت لي ما حدث، إغلاق القسم وسماع الخبر عبر الراديو.
روان (مواليد 1994) من قرية بيتلو، قضاء رام الله، اعتقلت يوم 15.07.2015 وما زالت تعاني من أمراض في المعدة والأنف، وكسور في الرقبة والظهر، إثر اعتداء الجنود عليها بالضرب المبرح ساعة اعتقالها، ووضعها الصحيّ يتدهور نتيجة الإهمال الطبيّ وهمست لي "بعدني موجوعة".
وصفت لي حفل عرس شقيق أماني، فساتين وتحالي خاصّة، فرحة مع غصة "موجوعة"، تزوج ثلاثة إخوة لها وأختان وهي خلف القضبان، شريط موجع مرّ بمخيّلتها ليلة السهرة.
حدّثتني عن التعلّم داخل الأسر، قرّب اللقب الجامعي والتخرّج، وصلّتني سلامات زميلاتها في الزنزانة؛ وطقوس مشتريات الكانتينا التي تديرها.
دردشنا حول "خربشاتها".
قلقة على حال الأهل وتنتظر تشغيل الهاتف العمومي الموعود لتتصل بهم، وبخصوص صفقة تبادل منتظرة تقول: "مش مصدّفة إلّا لمّا أشوف حالي وصاحباتي برّا".
"عميدة الأسيرات"
بعد لقائي بروان أطلّت عليّ الأسيرة ميسون موسى محمود الجبالي مبتسمة؛ اعتقلت يوم 29.06.2015 من مقاعد الدراسة لتصير عميدة الأسيرات في سجون الاحتلال.
حدّثتني بدايةً عن وفاة الأسيرة سعدية فرج الله "مطر"، وحتلنتي بمراسيم العزاء داخل السجن؛ تحضير تمر وميّة من الكانتين لتوزّع على روحها، ختمة القرآن وصلاة الغائب ظهر اليوم في المكتبة التي تديرها في الدامون لتخبرني بأنّ حلمها أن تكون مديرة مكتبة مروان البرغوثي.
خبّرتني عن تقدّم تعلّمها الجامعي، وأم يافا حاضرة وتطمئنها:"دايرين بالنا على ياسمين، بنطعميها كويّس!".
تحدّثنا عن آخر الكتب التي قرأتها في السجن: "أنطونيو الجميل" لبرانكاتي، "مدخل إلى نقض الفكر الطائفي" لمهدي عامل، "عداء الطائرة الورقيّة" لخالد حسيني.
وقراءة جماعيّة لرواية "الشهيدة" للأسير هيثم جابر.
سألتني إن حضّرت لها فيلم "مولان"(Mulan)!
تناولنا آخر تطوّرات تجربتها الكتابيّة...
"كولاج أدبي"
بعد لقائي بروان وميسون التقيت بالأسيرة إسراء رياض جعابيص، اللقاء الخامس لنا في الأشهر الأخيرة، لتحدّثني بداية عن وضع أسيرات الدامون ووضعها الصحّي والمسار القانوني ورفض المحكمة للالتماس الذي تقدّمت به من أجل نيل حقّها بالعلاج الطبي.
حدّثتها بدوري عن الحراك الدولي من أجلها وزميلاتها، وعن المؤتمر السابع للتحالف الأوروبي لمناصرة أسرى فلسطين ومشاركتي به.
خبّرتني عن الفيلم الوثائقي "موجوعة" للمخرج إبراهيم مطر وجائزة مفتاح العودة.
تناولنا مشروعها الثقافي؛ بحث، قصائد، خواطر ورسومات وأخبرتها عن استعداد الفنّانة رنا بشارة للمشاركة بالجانب الفني لإصدار لها يشكّل كولاج أدبي لنتاجها المتنوّع وتحلم بغلاف – لوحة تعبيريّة لمعتصم.
حدّثتني عن آخر بحث أعدّته؛ نيّتها التواصل مع د. سماح صالح بشأنه، ووليد الهودلي وأيمن العتوم بخصوص كتابات للأطفال؛ وتأمل أن يصدر قبل يوم ميلاد ابنها معتصم في السابع عشر من أيلول القادم.
قرأت على مسامعي تغريده جديدة بعنوان: "رسالة إلى إنسان"
"جعلته عتبات الأسر باسلًا يقوّي صاحبه بمسائه
يقوّي ضعفه بقوّته وعجزه بإنجازاته
فهذا أنا فقلّي أنتِ من تكوني؟
طلبت إيصال تعازيها وزميلاتها لعائلة المرحومة سعديّة...
لكُنّ عزيزاتي روان وميسون وإسراء كلّ التحيات، والحريّة القريبة لكن ولجميع أسرى الحريّة.
حيفا تموز 2022