معظم نُظُم العالم السياسية والمجتمعية والاقتصادية مرتبطة بتنفيذ أهدافها وخططها وأفكارها بوسيلة فعّالة هي الهيكل التنظيمي الهرمي، وقاعدة العمل فيه مرتبطة بالاتصال الرأسي المعرّف في كل من علم الادارة وعلم المنظمة (التنظيم).
والاتصال الرأسي صاعدا وهابطًا (نازلًا) هو ما يتعامل مع ما يسمى خط السلطة من أعلى الى أسفل وقنوات الاستجابة من أسفل الى أعلى.
لنضرب مثالًا في مؤسسة ما حكومية أو غير حكومية ربحية أم غير ربحية (تطوعية) فلو كان لدينا مؤسسة انتاجية قد نجد فيها مجموعة من الأقسام/الإدارات مثل قسم الانتاج وقسم التسويق وقسم التصدير وقسم شؤون الموظفين وقسم العلاقات العامة الخ وهي أقسام تابعة للمدير/الرئيس بمعنى أنها عبر رئيس كل قسم تتلقى اوامرها وتعليماتها وقراراتها من الرئيس للمؤسسة (ممثلًا لمجلس الادارة/إطاره الأعلى) وعبر الاتصال الرأسي وأي أفكار تطرح مباشرة بين رئيس كل قسم وبين الرئيس/المدير.
هذه الإدارات أو الأقسام ضمن المؤسسة (التنظيم) ليس لها ان تجتمع معًا (اتصال افقي) وتقرّر، الا بإرادة المدير/الرئيس حسب النظام في جميع الهياكل الهرمية، والى ذلك قد تنسق معًا (أفقيًا) فقط بحالة الربط أو القرار عبر الرئيس فقط لاغير.
لنتصور حالة قام بها مسؤولو الأقسام بعمل ما مخالف، أوبإصدار بيان يرفضون فيه الالتزام بقرار الرئيس (حتى لو كانت المبررات صحيحة) بصفتهم مسؤولي الاقسام بالمؤسسة متجاوزين الهيكل الهرمي القائم فإن هذا ما يشكل انعدام للوعي بمعنى النظام (القانون)، وما يشكل بحقيقة الأمر خرقًا خطيرًا جدًا، ويشكل تجمعًا (تكتلًا) لايتفق مع الأسس ويشير لتكتل لاصفة له بتاتًا بالقانون/النظام الهرمي.
الاجراء المتوجب عمله بهذه الحالة أي حالة خرق صلب النظام سيكون إعادة تقويم المفاهيم لمن جهل، وتطبيق القانون على من يصرّ على ارتكاب الخطأ أو الخطيئة النظامية.
في حالة مشابهة وداخل فصيل/تنظيم سياسي لنفترض أن مسؤولي اللجان (الثقافية والاجتماعية والاعلامية و…الخ) اجتمعوا معًا (أفقيًا) دون المرور على الإطار(الأعلى) الوحيد المخول جمعهم اي لجنة الاقليم وأصدروا بيانًا أو قاموا بعمل ضد أمين السر أو ضد لجنة الاقليم فإن هذه الحالة الخارجة عن الوعي بالنظام تشكل إما جهلًا، أوحالة تمرد أو انحرافًا مقصودًا بالآلية الاعتراضية المتخذة.
في حالة أخرى لنفترض أن لجان المناطق (أو جزء منها في إقليم جغرافي لتنظيم) قامت بنفس الفعل (جماعيًا عبر اتصال أفقي) ضد أمين سر الاقليم أو اللجنة ككل فهذا عمل أو مطلب مخالف أيضًا لأي نظام/قانون/لائحة، ونكرر هو أما جهل أو تعمد ولاينفع مع هذا الفعل/المطلب المبررات المطروحة حتى لوكانت صحيحة من حيث المبادئ العامة. لأن صحة المبادئ لا تجيز فساد الوسيلة وصحة العرض أو المطلب أو الفعل داخل اي مؤسسة أن ترتبط رأسيًا وبالتالي تقوم (كل لجنة أو قسم او مديرية…) بواجبها التقييمي أو التقويمي أو الناقد أو المبدع ضمن طبيعة صلتها المباشرة مع الإطار الأعلى.
فكرة التمرد أو الابتعاد أو التكتيل جهلًا أو قصدًا بالنماذج السابقة وحتى على صحة الأفكار أوالمبررات فرضًا لايتم النظر لها مطلقًا ما دامت الوسيلة مخالفة كليًا للنظام.
في حركة فتح أيضًا يصح ذات المقياس العلمي فأنا كأمين سر اقليم مسؤول عن كل اللجان ضمن الاقليم الجغرافي باتصال ثنائي مع كل مسؤول لجنة على حدة، وباتصال جماعي ضمن اطارهم الجامع معي أي في اجتماع لجنة الاقليم، ما لا يجيز تكتيل رؤساء اللجان أو الاقسام معًا ضمن تشكيل مشترك بمواجهتي.
في داخل التنظيمات السياسية الفلسطينية عامة تحكم الديمقراطية المركزية، وضمن آلية العمل الهرمي وعليه فالأطر منصوص عليها نظاميًا بتحديد بمواد واضحة، وكل إطار بصلته المباشرة بالإطار الأعلى، ويجب أن تقوم بواجباتها نحو الإطار الأدنى، وتقدم تقارير عملها وانجازاتها للإطار الأعلى كلّ على حدة، وضمن التراتبية الواضحة المنصوص عليها بالنظام (مفوض التنظيم، الاقليم، المنطقة، الشعبة،الخلية كمثال). ومما سبق نفهم بلا أي لُبس وبإحسان النوايا انه لا يوجد شيء اسمه "إطار" أمناء سر المناطق مجتمعًا، أو أمناء سر الشعب مجتمعًا، فكل إطار يمارس دوره وفق التراتبية الهيكلية الواضحة. وكذلك الأمر لايوجد أي صفة لأمناء سر المناطق مجتمعين مقابل أمين سر الاقليم، أو أمناء سر الاقاليم او جزء منها مقابل المفوض، أو اللجنة المركزية.
إن فكرة اللجوء لخرق التراتبية الهرمية، والنظام/القانون عامة باختراع أطر أو مسميات تشكل بداية لانهيار المفاهيم، وشكل من أشكال ضعف أو انعدام الوعي التنظيمي ما قد يتطور لتدمير هياكل التنظيم وأسس التواصل المثمر.
.
من حق أي إطار/مرتبة في سياق التراتبية الهرمية المحددة نظاميًا أن يقدم تقاريره منفردًا للإطار الأعلى ما هو واجبه. ومن حقه بالمقابل أن يطالب باجتماع أو محاسبة أو نقد او أي اعتراض باجتماعه المحدد مع مسؤوله الأعلى.
إن الحالة الوحيدة التي يصح فيها عقد الاجتماع الأفقي لمجمل الكادر الهرمي هو عبر أن تدعو لجنة الاقليم لاجتماع طارئ مبرّر لمؤتمر الاقليم (الذي يضم لجان المناطق…الخ) في أي مفصل بعد إعلام وموافقة المفوض. وغير ذلك يعدُ خروجاً بينًا عن المفهوم المرتبط حُكمًا بأصل بناء النظام/القانون/اللائحة.
يقول القانونيون عن الرأي أو القرار أن صحته ليست لذاته أي ليست لوجاهة أو صحة او صوابية الفكرة والمباديء، وانما يقترن بها "شكلًا"، أي صحة الوسيلة أو الأسلوب المستخدم، لذا يبطل القرار او الفعل حين مخالفة الهيكل أو الإجراءات النظامية المتبعة ما يسمونها الفساد الشكلي وهو ما كان لنا رأي بشأنه يتعلق بالفصولات الأخيرة.
نعيد التأكيد أن من حق كل عضو في إطاره، أو كل ممثل إطار نحو مسؤوله الأعلى أن يمارس دوره صاعداً ونازلًا، ولا يمكن لصحة الأفكار او التبريرات أن تفسر أو تجيز فساد الأسلوب (الوسيلة) المتبع بخرق الهيكل التنظيمي، ما هو خطأ أو خطيئة تُدخل التنظيم (أي تنظيم أومؤسسة…) في مربع الخطر العميم، وما يلزمنا أن نعيد قراءة وفهم النظام.
من المهم أن نمتلك وعيًا تنظيميًا سليمًا، ونتعلم لأن كل من ظن أنه قد علِم فقد جهِل، ونحترم أنفسنا والآخرين كما نحترم النظام والمباديء الجامعة، ونحترم أفكارنا الصائبة والوجيهة المحددة –خاصة في أمر خلافي كبير- فنعبرعنها أفرادًا أو بالتسلسل والتراتبية الرأسية الهرمية، ما هو أصل النظام (كل أنظمة المؤسسات عامة).
والا فإنه نتيجة الغضب أو الاستياء أو الرفض لأي سبب أو لسبب انعدام الوعي أو نتيجة الضغوطات الشديدة أو الرغبة بالتملص من المسؤولية والفشل، أو رغبة بالانتقام...الخ، نتجه رأسًا نحو الفوضى الشاملة والانحراف الهيكلي، أو التخريب هو العنوان، ما لا يقبله أي مخلص في أي مؤسسة أو منظمة (تنظيم) ومنها على حركة شامخة مثل حركة فتح، بحلوها ومرها وصعودها وهبوطها، وهي الحركة التي تُعلي دومًا (أو هكذا نريدها) من شأن الاتصالات الصحيحة، وسياسة الأبواب المفتوحة والاتجاه غالبًا نحو قانون المحبة الذي لطالما لجأ اليه الرئيس الخالد ياسرعرفات بمواجهة مخالفيه، على حساب سياسة العقوبات أو البتر غير النظامي، أو سياسة الإقصاء أو التهميش حفاظًا على بقاء الحركة كما قال عنها الشيخ هاني فحص أنها أم فلسطين وهي بنت فلسطين إنها تشبه فلسطين ولا يسرني أن يتقلص هذا الشبه بينها وبين شعبها، بينها وبين فلسطين.