أطلقت قوات الاحتلال الاسرائيلي النار على مراسلة قناة الجزيرة المقدسية شيرين أبو عاقلة صباح الأربعاء 11 مايو على مدخل مخيم جنين أثناء تغطيتها الصحفية لإقتحامها المخيم، مما أثار موجة سخط عارمة فلسطينية وعربية ودولية. حيث أن الشهيدة عرفت بمهنيتها وخبرتها الطويلة في الدفاع الاعلامي عن القضية الفلسطينية، كما أنها تعمل لحساب قناة فضائية كبيرة الحجم ولها إنتشارها في مختلف أنحاء العالم. وفي الوقت الذي تستمر به قوات الاحتلال الاسرائيلي بإعتداءاتها السافرة على الصحفيين والمراسلين الاعلاميين دون أي إكتراث، حيث إستشهد أكثر من 55 صحفي على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، الا أن جريمة إغتيال أبو عاقلة كان لها وقع آخر على دولة الاحتلال، حيث تحمل أبو عاقلة الجنسية الأمريكية، وهو الأمر الذي إستدعى تدخل وزارة الخارجية الأمريكية ودعوتها لفتح تحقيق مشترك سريع وشفاف بمقتل أبو عاقلة.
قبل أيام، أعلنت جهات التحقيق الفلسطينية عن نتائج تحقيقها وفقاً لنتائج التشريح ولشهادات شهود العيان، حيث أدانت هذه النتائج جيش الاحتلال بإطلاق القناصة الاسرائيلية النار مباشرة على شيرين، كما أشارت بعض مصادر التحقيق الدولية المستقلة الى أدلة واضحة تدين جيش الاحتلال بإستهداف أبو عاقلة. فقد نشر اتحاد الباحثين الدولين Bellingcat الذي يتخذ من هولندا مقراً له تحليلاً لأدلة فيديو وأدلة صوتية تم جمعها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وقد وجد التقرير وفقا "لموقع تايمز أوف اسرائيل" أن الأدلة دعمت روايات الشهود عن مقتل أبو عاقلة بنيران إسرائيلية.
بالمقابل، يتلكأ جيش الاحتلال الاسرائيلي بالإعلان عن نتائج التحقيق، ففى البداية أعلن بيان الجيش عن أن شيرين قتلت بنيران المسلحين الفلسطينيين، وفي وقت لاحق، وبعد إزدياد الضغوط الدولية عليه، أعلن أنه ربما قد قتلت برصاص قناص إسرائيلي بسبب قرب الشهيدة من "مسلحين فلسطينيين"!. وحتى هذه اللحظة، لم يقدم الجانب الاسرائيلي أي رواية قائمة على الأدلة والبراهين، بالمقابل، وفي إعلان غير متوقع، أعلنت الشرطة العسكرية الاسرائيلية وفقاً لموقغ "تايمز أوف إسرائيل" بأنها لا تعتبر أن هناك شبهات بوجود جريمة خلال تبادل إطلاق النار، وبالضرورة، فإن الشرطة العسكرية لن تحقق في مقتل أبو عاقلة.
في هذا الإطار، هنالك عدة ملاحظات يمكن تقديمها في هذا الشأن على النحو التالي:
أولاً: لا توجد أي ثقة بنتائج التحقيق الاسرائيلية، فليس من المتوقع أن يقوم الطرف الجاني بإدانة نفسه. وإنما على العكس سيحاول تبرير سلوكه وإخفاء الحقائق. وهذا بالضبط ما حدث في غالبية جرائم الاحتلال التي تم تشكيل لجان تحقيق إسرائيلية حولها. فعلى سبيل المثال، في جريمة المواطن الفلسطيني الأمريكي عبد المجيد أسعد؛ وهو رجل ثمانيني تم إحتجازه ليلاً بالقرب من قربة "جلجيا" في رام الله المحتلة، وتم تركه مكبل اليدين في البرد القارس مما أدى الى إستشهاده بنوبة قلبية. وفي نتائج التقرير الاسرائيلي حول الحادثة، برر إحتجاز الرجل الثمانيني بأنه حادث "إشتباه" وخاصة أن الرجل لم يكن يحمل هوية! واعتبر التقرير بأن ترك المسن مكبل اليدين في البرد القارس سببه أن الجنود إعتقدوا أنه نائم ولا يريدون إيقاظه!. وطالب التقرير بتوبيخ جنود الاحتلال الذين قاموا بهذه الحادثة وعدم تسليمهم أي مناصب قيادية لمدة عامين! .
ثانياً: في الوقت الذي تتصاعد به جرائم الاحتلال الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، فإن قوات الاحتلال تتجنب القيام بأي تحقيق في هذه الجرائم. وللتدليل على ذلك، ووفقاً لتقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش"، فقد قتلت قوات الأمن الإسرائيلية في العام 2021، حتى 14 أكتوبر/تشرين الأول ، 67 فلسطينيا – ما يقرب من ثلاثة أضعاف الرقم لعام 2020 بأكمله ومن بينهم 14 طفلا – وأصابت أكثر من ألف فلسطيني بالذخيرة الحية. ووفقاً "لأوتشا". يشمل هذا المجموع المتظاهرين السلميين والمارة، بالإضافة إلى أولئك الذين يُزعم أنهم هاجموا إسرائيليين. كما قتل المستوطنون خمسة فلسطينيين وجرحوا 137، وألحقوا أضراراً بالممتلكات في 287 حادثة حتى 22 أكتوبر/تشرين الأول. وقد بلغت عدد حوادث عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في النصف الأول من 2021 أكثر من ضعف الرقم في النصف الأول من 2020 وأكثر من عام 2019 بأكمله. والغريب أنه في كل هذه الجرائم لا توجد أي لجان تحقيق!.
ثالثاً: في كل جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ترفض قوات الاحتلال الاسرائيلي أي تحقيق دولي أو مشترك مع الجانب الفلسطيني. الا أنها وافقت مرغمة على الطلب الامريكي بضرورة قيام تحقيق مشترك مع الجانب الفلسطيني في حادث إستشهاد ابو عاقلة، غير أن القيادة الفلسطينية رفضت ذلك لأسباب منطقية أهمها أولاً: عدم وجود جهة دولية غير متحيزة تشرف على التحقيق، وثانياً: إحجام قوات الاحتلال الاسرائيلي على مدار العقود السابقة عن تشكيل أي لجنة للتحقيق في جرائمها المتكررة ضد الشعب الفلسطيني. فإذا كانت جريمة أبو عاقلة تستحق لجنة تحقيق مشتركة، فإن كل جرائم الاحتلال بقتل المدنيين الفلسطينيين هي أيضا تستحق لجان تحقيق بما فيها جرائم مقتل الاكاديمية مي عفانة والطفل على أبو سارة و الام غادة السباتين، وغيرها الكثير من الجرائم اليومية التي ترتكيها قوت الاحتلال بدون أي تهمة سوى روايات الاشتباه والزعم بالطعن أو محاولة الدهس .
رابعاً: إن حكومة الاحتلال تصر على إخفاء الحقائق المتعلقة بإستشهاد أبو عاقلة. لأنها بإختصار تريد تجنب اللوم الدولي، وتريد أيضاً تجنب فتح تحقيق مع جنودها في الوقت الذي تعطيهم أوامر صارمة بالقتل والتنكيل لما تسميها بحالات "إستشعار الخطر". وبالفعل، ففي الحالات التي يستشهد بها فلسطينيون يقومون بالإشتباك مع جيش الاحتلال، تسارع وسائل الاعلام الاسرائيلية بنشر مقاطع الفيديو التي تثبت الدليل على قيامهم بالاشتباك، أما في حادثة أبو عاقلة، فحتى الآن لم يصدر أي تسجيل فيديو من الجانب الاسرائيلي يوثق الحادثة، برغم وجود الطائرات العسكرية الاسرائيلية فوق مكان الحادثة، والتي توثق بالفيديو كل الاحداث.!
وفي خلاصة المقال، يظل التساؤل الهام في مثل هذه الحوادث حول المدى الذي يمكن لحكومة الاحتلال إخفاء الحقائق حول جرائمها المتكررة، ولأى درجة يمكن للمجتمع الدولي تشكيل لجان تحقيق دولية بجرائم الاحتلال المتكررة ومساءلتها حول هذه الجرائم!.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com