في العام 2019 قامت حركة .فتح. بخطوة جبارة ومميزة إذ تعاونت فيها عديد المؤسسات لتدعم الفعل الطلابي في جامعة بيرزيت، ونجحت نسبيًا.
كان التركيز على الاعداد والبناء الطلابي المُسبق في هذه الجامعة التي تُسلّط عليها الأضواء لأنها في عاصمة السلطة، وعلى مظنّة غالبة خاصة بالخارج أن هذه الجامعة تمثل أنموذج مصغّر للرأي العام الفلسطيني أو مقياس ما ثبت فشله، لكن الدعاية مازالت تحاول الترويج لذلك.
قامت المؤسسات الحركية في مؤسسة التنظيم والشبيبة والإقليم ومعنا نحن في أكاديمية فتح الفكرية وبدعم عدد من الكادرات الهامة ببعض المؤسسات الأخرى بتضفير الفعل التدريبي التثقيفي مع الميداني والإداري معًا، وكان الجزء المتعلق بنا كأكاديمية ببناء أو عرض مقومات الجذب والاستقطاب والتأثير في الآخرين ومباديء الاقناع ولمدة شهور ستة من الحرث في حقل العقل والنفس.
لحق أو أحيانًا مشى بتوازي كل من آليات التثقيف والتدريب مع آليات تقسيم للعمل، ومتابعة ميدانية حثيثة مسبقة كان وراءها عدد من الاخوة الكبار من خارج مؤسسة التدريب، ومن كادر الطلبة بالجامعة الذين أطلقنا عليهم حينها مجموعة ال27 وهو عدد أعضاء المجموعة التي قمنا كطاقم عمل متكامل بتدريبها وتواصلنا معها ليكون العام ٢٠٢٠ عاما يشي بالأمل إذ انتقلت الحركة مع كل هذا الجهد (على قلة ما دفع له من دعم مالي) خطوة للأمام بتعادل النتائج بالجامعة.
ومع مرور سنوات الابتعاد الطلابي عن الجامعة بسبب الجائحة، وبروز التدريس عن بعد فتَرَت الهمّة الحركية من جهة، وافتقد الطلاب الحراك الديمقراطي، والحوار والصعود لمرحلة الطالب المتفتح الذي يسأل ويبحث ويقرأ ويفهم ويقرر. بقي في قوقعة ما دون ذلك، وظل أسيرًا بغالب الطلاب لقوالب ذهنه المرتبطة ببيئته المحلية محدودة الموارد الثقافية، ما يسهل التأثير فيها ضمن المكونات المحلية الضيقة التي لم تتثاقف مع مكونات الحياة المنفتحة والبيئات الأخرى فوقف الغالب عند حدود المؤثرات الاولية والقوالب تلك المجتمعية والعشائرية، والدينية الماضوية المغلقة، وتلك العائلية وما يشوب ذلك من آليات التأثير أحادية (أو مقدسة) المصدر، والسيطرة الأبوية وهيمنة أدعياء الدين أو العائلية دون تمكين للحوار أو الجدال والنقد والابداع، وكيف له أن يحصل والانقطاع قائم! فلم تكن النتائج اللاحقة أي نتائج الانتخابات للعام ٢٠٢٢م بغريبة عن هذا الجوالمغلق.
في الاغلاق والانغلاق لا يمكن أن ننسي الدور التحريضي والسيء والمزور للحقائق أو الباث للشائعات بل والأكاذيب في عقل الطالب، والمتلقي السلبي عامة، الذي قضي معظم يومه فترة اغلاق الجائحة بين التأثيرات المحلية الأولية المقولبة ما ذكرنا، مرفوقة بوسائل التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية المتخصصة بالتحريض الأيديولوجي والتزوير والكذب ما تعرفونها وتشير لها أصابعكم دومًا.
عودٌ على بدء أقول أن تعاضد كل المستويات التنظيمية في فتح، والشبيبة لتكرس مبدأ الحرية والتقبل والاهتمام بذات العضو أو الشخصية المكافحة من حيث تزويدها بمنهج عقلي منفتح هو الأداة الحقيقة للتغيير في مواجهة المركّبات البيئية القديمة السهل الاستفادة منها لمن يستطيع لَيّ عنق الدين، أوالحقيقة، وهو في ذلك لا تأخذه بالباطل لومة لائم!
إن من مفاخر حركة .فتح. أنها تتيح مساحة واسعة للديمقراطية فيها(أحيانًا لدرجة الفوضى) فتقبل الجميع هذا لأنها تشبه شعبها. وهي بديمقراطيتها تستوعب وتسامح (باستثناء عدد من قرارات الفصل التي أبدينا حولها الرأي في مكانه)، ومن مفاخر هذه الحركة أيضُا أنها تنتصر بفعل "الإتاحة" أي أنها تتيح للمارسة الديمقراطية أن تتم في مساحات العمل الشعبي والطلابي والنقابي والبلديات ما لم تستسيغه سلطات الفكر أو الأيديولوجية الواحدة في الجزء الآخر من الوطن.
كتب الصديق الإعلامي الكبير نزار الغول يقول: إن خسرت الشبيبة في بيرزيت، فهو إنتصارٌ واحد، إنتصارُ نهجها الديموقراطي..وإن فازت، فهما نصران.
وقد صدق بذلك فالإتاحة للنهج الديمقراطي المتواصل تختلف عن المنع وبالقوة الجبرية الذي مازال يدقّ في رؤوس الجماهير الفلسطينية بالقطاع منذ 15 عامًا. حيث أنه من "النفاق الديمقراطي" أن تمارس حقك بالانتخاب حيث لا سيطرة أو سلطة بيديك! وتبتهج! وتمنعها أوتعوقها وبالقوة حين تملكها، وتبرّر؟! (وعموما فإن الديمقراطية ثقافة وليست صندوق فقط)
لا أرى أن يُفهم هذا الكلام تجاوزًا عن الخطأ (وأحيانًا الخطايا) داخل أطر .فتح. مطلقًا، وما نجتهد دومًا لمجابهته في كل مفصل ومنه هذا المفصل المحدود بالحقيقة ، بقدر ما يجب أن يُفهم وطنيًا في ضوء التداول الديمقراطي للقيادة التي سنبتهج بحصولها ديمقراطيًا (داخل الحركة بالمؤتمر القادم، وبالرئاسة والتشريعي).
حسنَا فعلت قيادة الحركة الميدانية المعنية في بيرزيت عندما قدمت استقالتها. وأقول حسنًا لأنني افترض بالاستقالة إحساس عميق بالمسؤولية، يُحسب لها ويعني لي أنها تتقبل النقد وأنها راغبة بمراجعة النفس وبالمحاسبة لها ولغيرها حتى لو كانت محاسبة عسيرة. وان لم يكن كذلك فالاستقالة قد تُفهم هروبًا أو تحللًا من المسؤولية ما لا أظنه هنا.
لسنا بصدد دراسة التأثير الكبير للعوامل الداخلية والخارجية في هذه المقالة وإن أشرنا لبعضها، ولكننا نطلبها مفصّلة وأمينة من قيادة الحركة والاقليم والشبيبة المعنية واضعين نصب أعيننا معالجة الخلل ومحاسبة مرتكبيه مهما ظنوا العُلو أوأنهم "لايُمسّون"، وعلينا تفهّم أن الفشل والنجاح آلية تداول في الثقافة الديمقراطية، فيوم لك ويوم عليك وهذا هو الفهم الديمقراطي، وبداية التغيير منذ اللحظة الأولى للعثرة. أي من الأن، وفورًا.
لقد ابتهجنا في انتخابات نقابة المحامين بفوز .فتح. مؤخرًا، وقبلها في انتخابات البلديات، بل وبنتائج جامعة بيرزيت بفوز .حما.س مؤخرًا، وفوزنا بفوزها ديمقراطيًا، وعيننا لا تحيد عن هدف الوحدة أولًا، والبرنامج الوطني المشترك، والقضية المركزية أي تحرير فلسطين.
ولا تلطموا أو تسوَدّ وجوهكم حينما نقرر دومًا وفي ظل المنافسة الديمقراطية ضرورة بل أولوية الوحدة والبرنامج والتحرير. والتي نحن مازلنا نراها عبر القناة الأكثر صلاحية أي قناة .فتح.
إن الأموال وسيلة وعامل مساعد هام جدًا لتحقيق الهدف والخطة وليست هي مقرر النتيجة مطلقًا.
إن العقل والإحساس الصادق والقدوة والمِران والايمان بتحقيق الهدف، والثقة التي لاتشوبها مصلحة والتأثير الواقع بالآخر من حيث تناسق الرسالة مع المسلكية هو مقررالنجاح وضمن عوامل أخرى كثيرة تعرضنا لها في إطار كُتُبنا ودراساتنا ومقالاتنا ومحاضراتنا ودوراتنا الفكرية والتدريبية في أكاديمية فتح الفكرية للطلبة وغيرهم.
بمناسبة فوز فتح بنقابة المحامين سُؤلنا فقلنا للجميع:عندما تقوم فتح. لفلسطين تصنع الفرق. وعندما تنتصر لفكر فلسطين الرحب تصدح الأصوات بذكرها. وعندما تثبت أنها تُشبه أمها تتعزز ثقة الجماهير بها. وعندما تعلو بينها الراية رباعية الألوان يقابلونها بالأحضان.
فلسطين أنجبت حركتها، و.فتح. عندما تبرّ فإن طوبَ الأرضِ يستجيبُ لها. لك أن تلوّح بالحطّة المرقطة كيف تشاء فهي رمز البلاد والختيار وصوابية المسار ومنازل الأبرار. عاشت فلسطين حرة عربية وعاشت السواعد الفتحوية السمراء تمتد لخدمة الوطن وتمسح دموع القضية ولاتخذل الأمة أبدًا حين تصنع رسالتها متماثلة مع مسلكها، وشعبها.
تحدث المهاتما غاندي ساعتين أمام البرلمان البريطاني فذُهلوا، واعتبر البعض أنه نوّمهم مغناطيسيًا، فسألوا سكرتيرَهُ فقال: ما يفكر به ويشعر به ويقوله ويفعله متماثل لذا فهو متدفق.
وتحدث العملاق ياسر عرفات في مؤتمر بإفريقيا قبل ولادة فتح والمنظمة أي حينما كان في عزّ شبابه وبحضور وفد إسرائيلي حينها فعلّق عليه أحد قادة الوفد الصهيوني منبهرًا: أن عرفات تحدث بشغف وإيمان وثوران مثل بركان صغير ثائر.
مما سبق وأشرنا له من أفكار وقيم ومسلك ، ومن حيث البدء لكل شخص من عنده هو أولًا نجح فريق ال27 الذي كان لنا شرف التعامل معه.
والى ذلك لن يستطيع أي كان أن يحقق انجازاته عبر الآخرين في الطلاب أو غيرهم دون الإيمان الذي يطاول الجبال، ويعانق السماء، والذي لايتزعزع بالله سبحانه وتعالى، وبفلسطين أولًا، وبأهدافنا، وبمنطق القدوة والمسلكية، وبمخاطبة العقل والمشاعر الصادقة وبالمسلكية المتناسقة فيتدفق الانسان ليجذب ويؤثر ويبهر الآخرين ويتفجر بركانًا من العطاء.
يتوهُ القائدُ حين يفترض أن مناكفة الأخر هي الحل، فيتعامل مع الآني كقضية أساسية مضحيًا بالآجل، أو حين يظن أن استخدام مقصلة الدين هي الحل، فيخيب سعيه دنيا وآخرة. ويخطئ حين يستقوي بالعائلة أو القبيلة على الفكرة، ويخطئ أيضًا حين يعتقد أن رشوة الناخب هي الحل (رغم أن بعض الفئات ضعيفة النفس لا تستجيب الا لهذا العامل).
وعليه يجب أن يكون البناء الذاتي والجماعي أي بالبدء من شخصيتي أنا هو المدخل الصحيح الذي أثبتناه بالتجربة كمدخل للتوحد نحو الهدف الرئيس، وهو دحر الاحتلال، وتحقيق ما دونه من أهداف أخرى متفرعة كمثل الفوز بانتخابات هنا أو هناك، لاقيمة لها إن لم تكن تصبُ في سياق الاستراتيجية الوطنية الشاملة وفي سبيل الهدف الأكبر وهو تحرير فلسطين، ورفع الراية بالقدس كما ظلّ يردد الخالد ياسر عرفات حتى مات شهيدًا ونحن على دربه سائرون، والله أكبر والنصر لنا.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com