ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي جريمة بشعة جديدة بإقدامها على اغتيال الإعلامية الفلسطينية والعربية مراسلة فضائية الجزيرة شرين أبو عاقلة في جنين، وهي تقوم بعملها الصحفي والإعلامي المعتاد، صباح يوم الأربعاء الماضي الموافق 11/5/2022 عندما أطلق عليها جنود الاحتلال الإسرائيلي الرصاص الحي أثناء تغطيتها لاقتحام الاحتلال مخيم ومدينة جنين. فيما أصيب في الاعتداء منتج الجزيرة علي السمودي حيث كان إلى جانب الراحلة شيرين بإطلاق النار عليه في الظهر أثناء التغطية وهو يخضع للعلاج الآن، وأطلق جنود الاحتلال الرصاص على الزميلة شيرين، رغم أنها كانت ترتدي سترة الصحافة التي تميزها بصورة واضحة. وقال مدير دائرة الطب العدلي في جامعة النجاح ريان العلي إن المرحلة الأولى من تشريح جثمان الشهيدة شيرين أبو عاقلة انتهت، مشيرا إلى أن العملية ستستكمل لمحاولة إيجاد أي أدلة يمكن ربطها بالجهة المسؤولة عن استشهادها. وأكد أن الرصاصة التي أصابت شيرين أبو عاقلة كانت قاتلة وبشكل مباشر في الرأس، موضحا أنه تم التحفظ على مقذوف مشوه وتتم الآن دراسته مخبريا. وبعد إخراج جثمان الزميلة شيرين أبو عاقلة من معهد الطب العدلي في مدينة نابلس تم نقلها إلى مدينة رام الله لتشيعها من مقر الرئاسة ونقلها بعد ذلك الى القدس المحتلة لتشيعها الى مثواها الأخير، يشار إلى أن شيرين أبو عاقلة من الرعيل الأول من المراسلين الميدانيين لقناة الجزيرة، حيث التحقت بالقناة عام 1997، أي بعد عام من انطلاقها وقبل التحاقها بالجزيرة عملت في إذاعة فلسطين وقناة عمان الفضائية. وطيلة ربع قرن كانت في قلب الخطر لتغطية حروب وهجمات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة. ولدت شيرين أبو عاقلة عام 1971 في مدينة القدس المحتلة. وهي حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالمملكة الأردنية الهاشمية. وفي حديث سابق للجزيرة تقول أبو عاقلة إن الاحتلال الإسرائيلي دائما ما يتهمها بتصوير مناطق أمنية، وتوضح أنها كانت دائما تشعر بأنها مستهدفة وأنها في مواجهة كل من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين.
كشفت منظمة بتسيلم غير الحكومية (المركز الإسرائيلي للمعلومات عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة) أن الفيديو الذي نشره الجيش الإسرائيلي، وادعى أنه لإطلاق نار من طرف فلسطيني، لا يمكن أن يكون السبب وراء مقتل مراسلة الجزيرة الصحفية شيرين أبو عاقلة.
ووثق باحث إسرائيلي بالفيديو المكان الذي تم فيه تصوير مقطع الاشتباكات الذي بثه الجيش الإسرائيلي وأعاد نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، مدعيا أنه قد يكون الرصاص الذي قتل مراسلة الجزيرة.
وتبين أن ذلك الموقع يبعد أكثر من 300 متر عن المكان الذي أصيبت فيه الزميلة شيرين أبو عاقلة في مخيم جنين المزدحم بالمباني المتلاصقة، ولا يمكن من ذلك الموقع الوارد في الفيديو رؤية المكان الذي قتلت فيه أبو عاقلة ما لم يتمكن الرصاص الفلسطيني (المزعوم) من الالتفاف حول المنعطفات والمباني وتسلق السلالم. الخرائط التي نشرتها منظمة بتسيلم تكشف زيف الفيديو الذي نشره جيش الاحتلال الإسرائيلي، وخلص تحقيق المنظمة الموثق بالفيديو والموقع الدقيق أن الفيديو الذي نشرته السلطات الإسرائيلية لا يمكن أن تكون له علاقة بمقتلها، ما يؤكد زيف الرواية التي حاول بها رئيس الوزراء الإسرائيلي تبرئة ساحة قواته من المسؤولية عن مقتل أبو عاقلة. ونقل مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري، عن شهود عيان قولهم إن إطلاق النيران من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي على شيرين كان متعمدا والرصاصة أصابتها أسفل الأذن في منطقة لا تغطيها الخوذة التي كانت ترتديها.
جريمة قتل الشهيدة شيرين أبو عاقله استنكرها وأدانها المجتمع الدولي بأسره وصدرت هذه المواقف من قبل الدول والشعوب وهيئات الأمم المتحدة بأسرها، ومن قبل كافة الهيئات والمنظمات الدولية الحقوقية والإنسانية، وبغض النظر عن الروايات الإسرائيلية العديدة المتناقضة عمن يتحمل مسؤولية ارتكاب هذه الجريمة البشعة، فلا نجد من يصدق هذه الروايات الكاذبة المخالفة للحقيقة، وكان آخر الروايات الاسرائيلية ما ذكرته صحيفة هآرتس يوم الأحد 15/5/2022 نقلا عن مسؤول إسرائيلي أن جنديا إسرائيليا أطلق النار من مسافة 190 مترا من مراسلة الجزيرة شيرين أبو عاقلة وقد يكون أصابها، وأضافت أن الجندي كان جالسا في سيارة جيب ومسلحا ببندقية بعدسة تلسكوبية. وقال الجندي المتهم باغتيال شيرين أبو عاقلة في استجواب خضع له إنه لم يرها، وذلك رغم أنها تبعد عنه نحو 190 مترا، وفقا لتصريح سابق للمسؤول الإسرائيلي. كما أفاد الجندي أيضا بأنه لا يعرف أنه أطلق النار عليها، وفقا لإفادة المسؤول الإسرائيلي، وتهدف هذه الرواية إلى تبرئة الجندي الإسرائيلي من تهمة القتل العمد، كما جرت عليه العادة في حالات مماثلة، ولكن الحقيقة التي لا شك فيها أن جنود الاحتلال هم الذين ارتكبوا هذه الجريمة البشعة بحق الصحفية الراحلة شرين أبو عاقله، فممارسات الاحتلال قبل ارتكاب هذه الجريمة وبعدها بما في ذلك الاعتداء على نعش الفقيدة الراحلة، والاعتداء على المشاركين في تشييعها إلى مثواها الأخير، يوم الجمعة الماضي في القدس تؤكد بشاعة وحقد الاحتلال، وانعدام توفر الحد الأدنى من المراعاة للقيم الإنسانية والأخلاقية لدى لاحتلال، وعدم احترامه للمواثيق والاتفاقيات وقواعد القانون الدولي الإنساني، والشرعة الدولية لحقوق الانسان.
إن جريمة قتل الصحفية شرين أبو عاقلة من قبل قوات الاحتلال، وغيرها من جرائم القتل العمد التي طالت العديد من الصحفيين والإعلاميين، هي جزء من حملتها المنظمة لعزل الأراضي الفلسطينية المحتلة عن باقي أرجاء العالم، وللتغطية على ما تقترفه من جرائم بحق المدنيين والصحفيين. وتتناقض هذه الانتهاكات والممارسات الاسرائيلية ضد وسائل الاعلام والصحفيين، مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان، وخاصة مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان، والذي يؤكد على أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود". وتتناقض هذه الانتهاكات مع ما ورد في (البندان 1و2 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص المدنية والسياسية للعام 1966) وينصان على: "1- يعد الصحفيون الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق النزاعات المسلحة أشخاصاً مدنيين… 2- يجب حمايتهم بهذه الصفة بمقتضى أحكام الاتفاقيات وهذا البروتوكول شريطة ألا يقوموا بأي عمل يسيء إلى بالحقوق وضعهم كأشخاص مدنيين…"، وكذلك مع ما ورد في (البندان 1و2 من المادة 79 من البروتوكول “الملحق” الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف للعام 1949).
إن جريمة قتل الصحفية شرين أبو عاقلة من قبل قوات الاحتلال، ترتقي إلى جريمة حرب وفقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ولاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وان على المجتمع الدولي أن لا يكتفي بإدانة هذه الجريمة واستنكارها، بل يقتضي منه القيام بمسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية، لتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة ونزيهة، لكشف الحقيقة ومحاسبة وملاحقة المجرمين المسؤولين عن ارتكاب هذه الجريمة البشعة بحق الصحفية شرين أبو عاقلة، وعلى المحكمة الجنائية الدولية أن تمارس واجبها ومسؤولياتها القانونية بالشروع فورا بالتحقيق في هذه الجريمة البشعة، ومحاكمة الجناة عن ارتكاب هذه الجريمة التي تندرج ضمن اختصاص المحكمة.
ان شبه الاجماع الدولي الرسمي والشعبي وعلى صعيد المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية، لم يتحقق بمثل ما هو عليه الآن تجاه إدانة جريمة قتل الصحفية شرين أبو عاقلة التي ارتكبتها قوات الاحتلال، فاذا لم ينتج عن هذا الموقف عمل جدي لتحقيق دولي ونزيه ومحايد في هذه الجريمة البشعة المكتملة الاركان ، والكشف عن مرتكبيها، وتقديمهم للمحاكمة الدولية وخاصة لدى المحكمة الجنائية الدولية، فلا قيمة لهذا الاجماع الدولي، ولا قيمة جدية لمواقف الإدانة والاستنكار، ولا أهمية لتحميل الاحتلال المسؤولية الجنائية الدولية عن ارتكاب هذه الجريمة إذا لم يتم تقدمي مجرمي الاحتلال للمحاكمة، فهذا هو الاختبار الآن، هل ينجح المجتمع الدولي في كشف الجناة، وتقديمهم للعدالة حتى لا يفلت هؤلاء الجناة من العقاب، أم يستمر التردد والعجز، وتظل إسرائيل " السلطة القائمة بالاحتلال" سلطة فوق القانون، لا تجد من يردعها ويوقع عليها العقاب الذي تستحقه، بما في ذلك معاقبة مجرمي الحرب الذين يقترفون الجرائم بتوجيه ودعم وحصانة منها.
*علي أبو هلال - محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com