تعتبر رواية "ليلة غرام" للكاتب الانجليزي البارز سومرست موم، رواية تاريخية.. تستقي أحداثها من وقائع التاريخ الاوروبي المكتوب، وتَبرز قدرة صاحبها على التخييل فيها جلية واضحة، سواء كان من ناحية الحبكة الروائية أم من ناحية تصوير الشخصيات وتقديم الاحداث بأسلوب مشوق.
يقص موم في روايته هذه بأسلوبه المبهر الساحر قصة السياسي العجيب مكيافلي، مع الامير الرهيب سيزار بورجيا، ويمحور أحداث روايته حول مطامع هذا الامير واهدافه متوسلًا قاعدة مركزية آمن بها وعمل وفقها.. هي الغاية تبرّر الوسيلة، ويحكي موم في روايته كيف أعجب مكيافلي بهذا الامير الداهية الذي أوحي إليه بتأليف كتابه الخالد "الامير" الذي ضمنه هذا المبدأ السياسي وغيره من المبادئ الملتوية التي تبرّر كل شيء في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود.
تتخلّل هذا كله قصة إعجاب مكيافلي بزوجة شابة تصغر زوجها التاجر المعروف بسنوات عديدة، وهي الثالثة التي يتزوجها رغبة منه في أن تنجب له ابنًا يرثه ويخلّد اسمه، وهو ما لم يتحقق له بسبب عُقمه. مكيافلي يبدأ بحبك الحيلة تلو الحيلة ليصل إلى تلك الزوجة، ويُبدع موم هنا في عملية التخييل الروائي فبطله مكيافلي، يبدأ من الراهب تيموتو فيحتال عليه ويقنعه بأن يسهل الطريق عليه للوصول إلى تلك الزوجة التي يشدّد عليها زوجها الحصار، بعدها يقنع أمها. بأن تمهّد له طريق الوصول إلى ابنتها.. بعدها يقنع زوجها الغيور بالسفر ليلة واحدة لطلب من أحد القديسين أن تحمل زوجته، رغبة منه في أن يخلو له الجو.. فينال مأربه.. وعندما تهيأ له كل الظروف ليعيش ليلة الغرام المنشودة، يفاجأ بالأمير سيزار بورجيا يبعث من يطلب منه أن يحضر إليه لأمر خطير ولا يحتمل التأجيل، وفي هذه الاثناء يرسل مكيافلي تابعه الشاب المرافق له.. ليهيئ له اللقاء بتلك الزوجة الشابة وقضاء ليلة غرامه معها. مكيافلي يعتقد انه بإمكانه ان يتخلّص من اللقاء بالأمير خلال وقت قصير، إلا أن الأمير يجتذبه إليه. . باطلاعه على تفاصيل خطة تمنى طوال الوقت أن يطلع عليها. هكذا تنتهي ليلة الغرام دون أن ينال مكيافلي وطره من تلك المرأة الفاتنة، وتتطوّر أحداث الرواية ليعرف مكيافلي من صديقه التاجر زوج تلك المرأة، أن زوجته قد حملت أخيرًا وأن الله استجاب لدعوات ذاك القديس الذي طلب شفاعته.. الرواية تنتهي ليتبيّن لنا أن تلك الزوجة حملت من تابع مكيافلي الشاب، وهو ما يعني أن ليلة الغرام كانت من نصيبه وليس من نصيب من خطّط لها ودبّر أمرها، أما فيما يتعلق بسيزار بورجيا فإن الرواية تحكي قصة صعود نجمه وأفوله.. فموته.
رواية جميلة تتعمّق في أغوار التخييل الروائي. وتستحق القراءة رغم مضي العشرات من السنين على صدورها.
يذكر ان الكاتب الانجليزي سومرست موم من أشهر كتّاب الرواية في القرن العشرين. ولد عام 1874 درس الطب والقانون، إلا أن الادب جذبه إليه، فابدع فيه أكثر من ستين عملًا روائًيا وقصصيًا، تحوّل العديد منه إلى افلام سينمائية شاهدها وأعجب بها الملايين من الناس في شتى ربوع العالم. عاش موم ستة وتسعين عامًا وبقي يُبدع وينتج حتى أيامه الأخيرة في الحياة.
*ليلة غرام. ترجمة حسين القباني. صدرت ضمن سلسلة روايات الهلال عام 1961.
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com