راهنَ زعماء الحركة الصهيونيّة وغيرهم كثُر، من أعداء شعبنا الفلسطيني، على عامل الزمن لحمل الفلسطينيين على نسيان قضيّتهم، ونكبة عام48 لتقويض المشروع الفلسطيني في إقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة وعاصمتها القدس الشريف.
لقد تغنّى الصهاينة بنظريّة "كبارهم سيموتون وصغارهم سينسون" البائسة، متناسين عِبَر الماضي، وسِيَر الكثير من الشعوب، التي لم تتمكّن القوى المعتدية من اجتثاثها، وطمس هويّتها الوطنيّة رغم ارتكاب المجازر والإبادة الجماعية، ولعلّ أبرز مثالٍ معاصر على ذلك ما فعله الصرب بأهل البوسنة والهرسك.
إنّ شعبنا الفلسطيني، رغم كل محاولات الاحتلال الإسرائيلي تغييبه عن المشهد العام، وملاحقته في الدّاخل والخارج، لا يزال قويًا وعصيًا على الإبادة، وطمس هويّته الوطنيّة، لا بل ونسيانه لقضيّته وأرضه، ويتحدّى بإمكاناته البسيطة الآلة العسكريّة الإسرائيليّة وسياسات الاحتلال الظالمة.
جرّب الإسرائيليون كما ذُكر، حمل شعبنا الفلسطيني على نسيان قضيّته وروايته ففشلوا، وحاولوا اجتثاثه من خلال ارتكاب العديد من المجازر الجماعيّة والتطهير العرقي ففشلوا فشلاً ذريعًا، ثمّ فشلهم في حمله على الرّحيل بسياساتهم الممنهجة بأنواعها، لا بل فشل الاحتلال أيضا في تنفيذ مخطّطاته بتزوير التاريخ والجغرافيا والمناهج الدراسيّة المشوّهة.
واليوم، وبعد كلّ إخفاقات المؤسّسة الاسرائيليّة تلك، وصلابة عود شعبنا الفلسطيني وتصديه لكل مشاريع التصفية، اتّجه الاحتلال إلى تنفيذ مشروع تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك بالقوّة، في محاولةٍ منه فرض سياسة الأمر الواقع، هذه الّلغة التي تعوّدت عليها هذه المؤسّسة في كثيرٍ من حالات التعامل مع الفلسطينيين.
إنّ ما يقوم به الإسرائيليون، بخاصّة حكومة بينت الحاليّة المتّكئة على القائمة العربيّة الموحّدة، في المسجد الأقصى من قمعٍ للمصلّين، واعتداءاتٍ متكرّرةٍ على قدسيّة المكان، والتواجد الدائم للشرطة الإسرائيليّة، وتأمين الاقتحامات اليوميّة أيضًا للمستوطنين المتطرّفين للأقصى، دليلٌ ساطعٌ وقويٌ على ما تخطّط له هذه الحكومة للقدس والمسجد الأقصى.
يعلم شعبنا الفلسطيني تمامًا، دعم أطرافٍ إقليميّةٍ وأجنبيّةٍ للسياسات الإسرائيليّة الظلاميّة في حق الفلسطينيين، كتلك الأنظمة العربيّة التي طبّعت علاقاتها مع المؤسّسة الإسرائيليّة، ومشاركتها في اتفاقيّات أبراهام، والتنسيق الأمني والاقتصادي والسياسي والسياحي معها. لقد أضعفت حالة التطبيع بين العرب والمؤسّسة الإسرائيليّة الموقف الفلسطيني يقينًا، وجعلته معلّقًا بالجانب الإسرائيلي، فاقدًا لجزءٍ من العمق العربي المساند.
إنّ شعبنا الفلسطيني سيفوّت الفرصة على الإسرائيليين هذه المرّة أيضًا، في الهيمنة على المسجد الأقصى وتهويده وكلّ محاولات تقسيمه زمانيًا ومكانيًا ستفشل، لأنّه حقٌ إسلاميٌ خالصٌ كان وسيبقى، ولا حقّ للغرباء فيه لا من قريبٍ ولا من بعيٍد. سيبقى الفلسطينيون شوكةً في حلوقهم رغم كلّ السياسات الظالمة، فهذا الشعب لا يعرف الهزيمة، بل يأبى نسيان الماضي، نسيان روايته وتاريخه وحقه الشرعي في وطنه، يأبى نسيان دماء شهدائه وأنين جرحاه وتدنيس مقدّساته ، وهذا المد الهادر الى المسجد الأقصى دليل على عمق ارتباط شعبنا بثوابته.
وأخيرًا، أثبت شعبنا الفلسطيني رغم مرور 74 عامًا على النكبة أنّه الأقوى، ولن ينسى ولن يغفر رغم الجراح والعذابات، بصموده وتحدّياته وتضحياته، لا بل ومشروعيّة حقّه في وطنه، ولتعلم كلّ الدنيا أنّه "لن يضيع حقٌ وراءه مطالب" وأنّ المحتل مهما بلغ من القوّة والجبروت الى زوال، والعبرة من التاريخ "لو دامت لغيرهم ما وصلت إليهم".