في ذكرى النكبة ال74 وفي ديوان جديد يُعيد الأسير ناصر الشاويش، المحكوم بأربع مؤبدات والمعتقل منذ عام 2002 يُعيد قريته "قنبر" إلى الحياة.
صدر هذا الديوان الجديد تحت عنوان "أنا سيّد المعنى"، وهو الديوان، الإصدار الرابع للشاعر الأسير ناصر الشاويش. حرّر الديوان وأشرف عليه وراجع قصائده الشاعر والكاتب والناقد البديع المبدع فراس حج محمد.
يقع الديوان في 92 صفحة من القطع المتوسّط.
قام الفنّان الفلسطيني ظافر شوربجي بتصميم الديوان الداخلي والغلاف، وتصدّر الديوان مقدّمتان: الأولى بقلم الشاعر نفسه، جاء فيها: "انّ اخراج هذه المجموعة الشعريّة خارج السجن يُعدُّ انتصارا للكلمة البندقيّة، وللبندقيّة الكلمة، وهزيمة لسجّان تأخّر كثيرا عن الانسانيّة في ظلّ انشغاله اليومي باختراع أدوات قمع جديدة لقمعنا، لمصادرة حقّنا بالحُريّة والحياة.
وأمّا المُقدّمة الثانية فكتبها المحامي والناشط الحيفاوي حسن عبّادي "صديق الأسرى"، وصاحب المبادرتين الهامتين: "لكل أسير كتاب" و"من كلّ أسير كتاب".
أشار حسن عبّادي في هذه المقدّمة إلى أنّ "الكتابة خلف القضبان مُتنفّس للأسير يُحلّق من خلالها ليُعانق شمس الحريّة المُشتهاة، حُريّة مؤقّتة عابرة تمدّه بالأمل والعزيمة."
وقد اشتمل الديوان، الذي انجزه صاحبه داخل سجن ريمون الصحراوي، على ثماني وعشرين نصّا، تراوحت بين شعر التفعيلة والشعر الكلاسيكي مُوحّد القافية. وتناول فيها الحديث عن الشهداء وعالم الأسرى وعالم الذات. وكتب الشاعر في هذا الديوان القصيدة القصيرة والقصيدة الطويلة، كما استعان بالرموز الشفيفة التي لا يستغلق معناها على القارئ.
حضرت قرية الشاعر التي هُجّر منها جدّه ووالده ابّان النكبة عام 48 في غلاف الديوان كما خصّها بقصيدة ختمه بها، وهي قرية مُهجّرة قضاء حيفا ، وسيُقام على أرض "قنبر" حفل الاطلاق الاوّل للديوان في ذكرى النكبة الرابعة والسبعين بمشاركة كتّاب وشعراء ومثقّفين بقراءات نقديّة ونشاطات اخرى ابداعية وفنية.
جدير بالذكر أن هناك ما ينوف عن 300 كاتب وشاعر ومبدع بين الاسرى ينثرون بابداعاتهم شذرات النرجس والياسمين خلف القضبان وخارج القضبان.
ولا يسعني في هذا المقال والمقام والصدد إلا أن أوجّه تحية ودّ وفخار لمن وضعوا أنفسهم وامكاناتهم تحت تصرّف الأسرى حتى ترى ابداعاتهم الأدبية النور في كتب ودواوين. وأخص بالذكر والشكر مرّة أخرى حسن عبّادي، الذي اسعدني وتشرّفت أن كتابي القصصي الثاني ايسولينا وعجة بالفلفل الاسود وصل عن طريقه إلى ايادي الأسرى في المعتقلات الاسرائيلية وحمل لي منهم أسئلة واستفسارات وتعليقات قيّمة وعميقة توضّح مدى ثقافة الأسرى واتقاد ذهنهم وتفاعلهم واعجابهم بكل عمل أدبي جميل.
وفي هذا الصدد اتطلّع بكل شوق وصبر أن أزوّده في الأيام القادمة ان شاء الله بنسخ من كتابي القصصي الثالث "سلّم لي على السفارة"، الذي صدر مؤخرا حتى يكون بين يدي الأسرى الأبطال كي يستمتعوا به وبقصصه الثلاثين.
وللكاتب والشاعر والناقد البديع فراس حج محمد فخر وامتنان بقدر حمل ثلاثة شوالات "أبو حز أحمر" لجهوده المتوردة المتقدة دائما في تبنّيه لكتابات الأسرى ووضع لمساته الجميلة المُتقنة كي تخرج في كتب ودواوين تحمل أسماءهم وتزخر بابداعاتهم.
الشكر والاعتزاز والعرفان أيضا للشاعر الرقيق الجميل جمعة الرفاعي، عضو الامانة العامة لاتحاد الكتاب الفلسطينيين، مدير الاتحاد لجهوده المتواصلة والرائعة في مراجعة مخطوطات كتب الأسرى الخارجة من السجن. لقد كنت شاهدا وعلى مدى أكثر من اسبوعين كيف كان منكبّا على مراجعة وتدقيق وتصحيح مخطوطات بخط اليد لأسرى، ستصبح فيما بعد وبعد كلّ هذا الجهد كتبا منشورة.
وفي هذا الصدد والمقام والمقال أريد أن أكرّر وأشدّد على اعجابي واحترامي لريشة عيسى قراقع السيّالة ماء ذهبيّا في كلّ ما يكتبه عن الأسرى وعن الشهداء.
الأسرى الأبطال المبدعون يدقّون بقبضات ريشهم وأقلامهم أبواب المعتقلات الاسرائيلية وجدران زنازينهم، يحطّمونها بمزيد من انتاجهم وابداعهم النثري والشعري، رغم قسوة المعتقلات وظروفها، وبالرغم عن أنف السجّان المتغطرس البغيض. يُحلّقون في فضاءات فسيحة تصغر معها مساحة السجن وزنازينه، فهم بجسدهم مكبّلون بالسلاسل خلف القضبان، لكن بارواحهم وعنفوانهم وابداعهم يسبحون ويجدّفون بهمّة واقتدار فوق السحاب وبين النجوم وقرب القمر،... أقمار تجاور قمرا.
تحية فخار وعز وكبرياء لمعتقلينا المبدعين الأبطال في باستيلات المحتل الغاصب.
مزيدا من الابداع مزيدا من الحريّة مزيدا من جدران السجون المحطّمة.
*منجد صالح - كاتب ودبلوماسي فلسطيني
موقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكاركم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية منبر العرب. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان:alarab@alarab.com