أطل علينا د. مطانس شحادة بمقالة يتهم فيها الموحدة بأنها تتحايل على الواقع وتتجاهله ويعزو ذلك إلى تجاهل الموحدة من خلال مشاركتها بالائتلاف الحكومي للقضايا التي وصفها بالأساسية والجوهرية، كالاحتلال والعنصرية البنيوية تجاه العرب ومسألة المكانة. فعادت أحداث المسجد الاقصى لتذكرنا وتطفو هذه القضايا على السطح من جديد.
بغض النظر أن الواقع هو أمر لا يمكن التحايل عليه، لكني سأغض الطرف واعتبر هذه العبارة وصفا مجازيا صدرت من شخص ينتمي لحزب عُرف أعضاؤه ببراعة الإنشاء وقوة الخطابة وبث الشعارات ولا شيء غير ذلك.
فبعد أكثر من خمسة وعشرين عاما من ولادة هذا الحزب، والذي ادعى أنه الممثل الشرعي للحركة الوطنية في الكنيست لا نكاد نرى أو نلمس له أي إنجازٍ يُذكر على الساحة السياسية، بل جل ما هو عالق في أذهان شعبنا للأسف إخفاقات هذا الحزب. وليس صدفة وصوله إلى وضعٍ مزرٍ أصبح فيه حزب الرجل الواحد يتفوق عليه كمًّا!
لكن دعنا لا نخوض أكثر في سرد التاريخ والحكم على الأفعال لكي لا نشتت القارئ ونخرج عن الموضوع، واسمحوا لي في البداية أن أبدأ من منطلقٍ لا نختلف عليه.
الواقع - نحن عرب فلسطينيون نعيش كمواطنين داخل دولة إسرائيل. هذه الدولة قامت على جزء من أرض فلسطين التاريخية، كدولة يهودية وفق الفكرة الصهيونية. وبذلك، بقي من بقي من العرب، أقلية داخل هذه الدولة تعاني من التمييز والعنصرية. كما وتمارس هذه الدولة، والتي نحن مواطنوها، احتلالا استيطانيا للضفة الغربية واحتلالا لقطاع غزة.
الكنيست - هي مؤسسة البرلمان لدولة إسرائيل وسلطتها التشريعية، مكونة من 120 نائبًا ينتخبهم مواطنو الدولة، من خلال أحزاب الكنيست، يتشكل الائتلاف الحكومي وتنبثق الحكومة كسلطة تنفيذية.
بناءً على السرد أعلاه، فنحن ندعي ما يلي:
كونك أقلية، فمن طبيعة الأمر لن تستطيع أحزاب منبثقة عن هذه الأقلية السيطرة لا على السلطة التشريعية ولا على السلطة التنفيذية.
لكن بالتأكيد تستطيع هذه الأحزاب لعب دور سياسي مؤثر بحيث يجعلها تغير في السياسات، وتحقق أهدافا ومعالجة قضايا حارقة تخص مجتمعنا.
فمن خلال الائتلاف الحكومي استطعنا إقرار خطة مكافحة العنف، لكي نحمي مجتمعنا ونسعى لكي نعيد الأمن والأمان إليه، والأمر بدأ يؤتي أكله في الشهور الأخيرة، واستطعنا التأثير في موضوع التخطيط، من خلال قانون الفاتمال وقانون الكهرباء، وتخصيص ميزانيات للمجتمع العربي من خلال خطط اقتصادية، والاعتراف بقرى في النقب (ستقول برنامج الاعتراف بهذه القرى وُضِع على طاولة الحكومة منذ عشر سنوات؛ وسأجيبك: وكان سيبقى على طاولة الحكومة عشرين سنة أخرى لولا دور الموحدة)، وغير ذلك الكثير.
إن كنت لا ترى كل ما فعلته الموحدة حتى اليوم، أو تراه ولكنك لا تتورع في وصفه بـ"الإنجازات الوهمية"، فأنت إما جاهل بما يحدث حولك، وإما جاحد ومعاند ومكابر، أو الاحتمالات المذكورة مجتمعة، وهي أيضا إمكانية واردة.
فبالتالي، نحن ننظر إلى الواقع من حولنا ونحاول قراءته كما هو، وننظر إلى الكنيست على أنها البرلمان والسلطة التشريعية لدولة إسرائيل؛ لا برلمان دولة فلسطين، ولا برلمان أرض فلسطين. فمن خلال هذه المؤسسة هناك أمور يمكن تغييرها، وهناك أمور لا يمكن تغييرها. والتأثير يتم وفق عوامل مختلفة في هذه المؤسسة، منها عدد النواب العرب وخارطة الأحزاب السياسية في إسرائيل وما إلى ذلك.
لذلك، نحن نقول لمجتمعنا العربي: نحن ذاهبون الى الكنيست لتمثيل هذا المجتمع، ولأننا نريد من خلال التأثير السياسي في الكنيست معالجة قضايا تخص هذا المجتمع، هذا هو مشروعنا السياسي في الكنيست وعلى مستوى الكنيست.
والان يا سيدي، دعني أعتذر لك وبشدة، لأن أهداف الموحدة لا تلبي أدنى تطلعاتك وأهدافك، واسمح لي أن أنقل الكرة إلى ملعبك وأقول:
إن كنت تدعي بأن برنامجك وبرنامج حزبك هو تغيير العنصرية البنيوية في دولة إسرائيل، وإنهاء الاحتلال في الضفة وغزة من خلال الكنيست، وهذا ما تدعونه منذ قيام حزبكم وحتى اليوم، لتختزلوه - ولا خلاف في ذلك - في شعارٍ جدُ عادلٍ وبراق: "دولة جميع مواطنيها".
الان تفضل يا سيدي، وليتفضل حزبك بعرض برنامجه السياسي ومشروعه وخطته، وليشرح للمجتمع العربي:
كيف ستقومون من خلال مشاركتكم كحزب سياسي في الكنيست، تغيير النظام العنصري في إسرائيل وإنهاء الاحتلال؟ ما هو برنامجكم وما هي خطتكم لتحويل دولة إسرائيل الى "دولة جميع مواطنيها" من خلال الكنيست؟ هل نحن نتحدث عن هذه الدولة نفسها؟ أم عن بناء دولة جديدة؟ وما هي حدودها؟ وما تعريفها؟ وهل هذه الدولة الجديدة، يمكن بناءها من خلال الكنيست؟ هل الكنيست مؤسسة يمكن من خلالها تحقيق هذا الطموح؟
إن كنت لا تملك برنامجا لتحقيق هذه الأهداف العادلة والنبيلة - بلا شك - التي تدعيها، فماذا تفعل في الكنيست من الأصل؟ وهل نحن الذين نتحايل على الواقع؟ أم أنت الذي يتحايل على مجتمعه؟!
مقال بقلم
المحامي يحيى دهامشة عضو المكتب السياسي في الحركة الإسلامية.