لولا حبّي لشعبي العربيّ الفلسطينيّ وثقتي به شعبًا أبيًّا حيًّا خلّاقًا صامدًا في وجه العواصف لغزاني الإحباط وأوهنني اليأس، فنحن في زمنٍ غزا المغول فيه أشجارنا وآبارنا، وباع اخوة يوسف أخاهم بثمن بخس، وتعرّى المجتمع الدّوليّ من الأخلاق الحسنة بعدما قبض أسهمًا في بورصة نيويورك، وأمّا شعبيّ الّذي ذبحوه بسكّين الانقسام وطعنوا ظهره بخنجر أبي لؤلؤة فلا بدّ من أن ينفض الرّماد عن جناحيه ويقوم كما قام ابن مريم بعدما صبغت أمّهات الأطفال البيض الملّون. هللويا هللويا!
أغبطك يا حفيدي "المعتزّ" لأنّك حافظت على صلاتي وبقيت انسانًا في مناخ رياح السّموم وتوجعت لمقتل شبّان ولدتهنّ أمهات لا يعرفن زيت أمّك، ولا ذنب لهم سوى جلوسهم في مقهى يحتسون الشّراب كما تقول لي. وصدّقني يا حفيدي بأنّني ما كنت أعرف قبل هذه اللحظة كما لم أسمع من قبل بهذا الانسان ذي الاسم الجميل "حاييم هار زهاف" ففي أوّله حياة وفي وسطه جبل وفي آخره ذهب. هل هو انسان يمشي على الأرض ويأكل الطّعام أم أنّ الحلم العربيّ الطّالع من ألف ليلة وليلة قد عثر عليه وأنطقه بعد عقدين من السّنين؟
يكتب حاييم أنّ الشّاب الفلسطينيّ كان في الثّامنة قبل عشرين عامًا حينما كان حاييم طالبًا جامعيًّا في الرّابعة والعشرين وأمطر مخيّم جنين بالصّواريخ واقتحم بيوته ونام في صالون أحد البيوت. ويعترف أنّ ذلك لم يحلّ المشكلة لأنّ هؤلاء الّذين يديرون الصّراع يريدونه أن يستمرّ الى أبد الابدين، والصّراع لا يُدار بل يُحَلّ. ويدرك حاييم بأنّ هذا الشّاب الفلسطينيّ ولد في زمن الاحتلال وعاش فيه طفولته وشبابه، عاش حياةً فيها ذلّ وفيها قهر وفيها جوع وفيها فراغ. حياة بلا شمعة صغيرة، فقد ربّاه الاحتلال كي ينتقم وكي يقتل، وعندما يختار الموت في شبابه يكون هو الوحيد في أيّامنا الّذي قرّر أن ينبّه العالم بأنّ هناك شعبًا يعاني من الاحتلال.
المسؤول عن مقتل هؤلاء الشّبّان الاسرائيليّين الثّلاثة وعن مقتل هذا الشّاب الفلسطينيّ الّذي وُلد في دفيئة اليأس هو الاحتلال.
حسنًا يا حفيدي أن يشجب بشجاعةٍ الرّئيس الفلسطينيّ عمليّة قتل الشّبان الاسرائيليّين ولعلّه ينتظر صوتًا عقلانيًّا يأتي من الاخر، ولعلّه يرغب أيضًا بأن يخبر الآخر بأنّ حلّ الصّراع لن يأتي من المنامة أو دبيّ أو الرّباط أو الخرطوم فمن هذه العواصم يأتي الحلّ الاقتصاديّ وليس الحلّ السّياسيّ.
رقصت قنوات التّلفاز الاسرائيليّة على الدّم وتبارت في نقل صور الرّعب وتسابق اعلاميّو مارس في التّهييج وزرع الكراهيّة فهم يأكلون خبزهم بعرق الانتقام، ويشربون خمرهم بكؤوس الحقد، ويعملون جاهدين كي ينسجوا ستارًا أسود لإخفاء الحقيقة. هؤلاء لا يشجبون مقتل طفل فلسطينيّ حمل في راحته الصّغيرة حجرًا، ولا يندّدون بإهانة فلّاح فلسطينيّ دافع عن زيتوناته، ولا يُدينون من قتل راعيًا فلسطينيًّا دافع عن بئر الماء لسقي قطيعه. هؤلاء الاعلاميّون يؤلّهون ويقدسّون دم أبناء شعبهم في حين يسترخصون دمّ الفلسطينيّ ولا يدركون بأنّه لا فرق بين دم ودم. وهؤلاء الاعلاميّون ايضًا يمدحون قادة شعبهم الّذين يتنكرّون لحقوق الشّعب الآخر ويؤيّدون الاستيطان.
الى متى سيبقى العقلاء والشّجعان يشجبون قتل الآخر وينتظرون بفارغ الصّبر ذلك الّذي يرى ويفهم أنّ الحلّ السّحريّ على بعد شربة سيجارة من الكنيست أو من البيت الواقع في بلفور؟
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com