"حليب الضحى"مجموعة قصص قصيرة جدا للأديب المقدسي محمود شقير،لدار النشر مكتبة كلّ شيء -حيفا2021,الطبعة الأولى
الحليب بلونه الأبيض،هو اللذّة الاولى والاحتياج الأساسي لكل مولود،وهو رمز لاستمرارية الحياة والحب والحنان،ومن هنا يمكن اعتباره رمزا للبقاء والسعادة،والأم هي التي تمنحنا ذلك،ومن هنا تكمن الرمزية أيضا في أن الأم هي الوطن الذي يدرّ الحليب ،والضحى بداية اقتراب النهار،وعليه فإن الاديب حسب وجهة نظري في مجموعته القصصية يصف حالة الوطن الذي يفتقد حليبه الشهي،وقد تعكر صفوه وبياضه من ذباب العدو بعد أن سرق حليبه الذي صار يتباهى به وبعسله،ومن ناحية أُخرى فهو يصف حالة العقم عند المرأة وحرمانها من الحليب،فهنا نجد السعادة المفقودة في غياب الحليب على الصعيد الوطني والاجتماعي
ضوقد ذكر الأديب حليب الضحى في إحدى نصوص قصصه
يقسم الأديب مجموعته القصصية إلى أربعة أقسام ويعنون بداية كلّ قسم بمقولة للأدباء
وينتقل في قصصه المختلفة التي تكمن مضامينها في صور من الهمّ الوطني والاجتماعي وصور الحب،إلى المدن حيث يافا وأريحا والقدس التي يصف أوجاعها وآلامها بصورة خاصة،كما يتنقل بين الأماكن ككنيسة القيامة وباب العمود والمدرسة والبحر، ويجد القارىء للقصص أنه أمام وجوه متعددة من المجتمع يحملون حزنهم،والطبيعة والفصول والأحوال الجوية تشاركهم في الحزن وبعض الحب،ويصور لنا القلق وصور الحرب والفقد،والصمود والأمل
يصف الأديب في قصصه القصيرة صور الطفولةوالمراهقة والعائلة والمفارقة بين الصور المختلفة في قضية العقم والانجاب التي تتمثل في ليلى التي لا تنجب ونفيسة التي تنجب،وتبدو بعض القصص المختلفة متسلسلة ومترابطة،يكثر فيها عنصر الحوار
تأتي القصص بأسلوب سلس وتعدّد الرواة وبلغة شعرية وايقاع الكلمات كموسيقى هادئة تناسب شخصية الأديب في حديثه الهادىء،استخدم الأديب في بعض القصص الجمع المذكر والمؤنث وكذلك المفرد بنوعيه وهكذا يمنح للنص صورة بصرية عن المجتمع مثل"الآباء والأمهات،النساء والرجال،الأولاد والبنات،التلاميذ والتلميذات،الجدّ والجدّة،طفل وطفلة
كما واستخدم بعض الطباق مثل يقظتي/غفوتي، فرادى/جماعات،السّراء/الضراء،تذهب/تعود،نهار/ليل
كما واستخدم بعض التكرار من المفردات في بعض النصوص مثل الحليب الثدي،فستان،وتكرار بعض الأفعال بصورة لفظية للتأكيد على القلق"أخشى على قدس،وأخشى عليك"،كما كرر استخدام مفردات الصمت في بعض النصوص للإشارة إلى أن هناك الكثير من الوجع والبوح ما وراء الصمت
كما يلاحظ استخدام الأديب المثنى في قصصه،(ضحكت وأنا ضحكتُ،كدنا نسقط أنا والدراجة،نمنا أنا وليلى،أنا وقيس،كنا خير أم وخير أب)
غلبت العاطفة الحزينة على معظم القصص حيث الدموع ،البكاء ،الحسرة،الخوف، وقد كان الزمان (الصباح والمساء )شاهدا على ذلك،"المساء الحزين، الفجر الحزين" فقد كان الأديب يصور الوطن وهو يمارس حزنه سواء في هدم البيوت أو انتظار جثامين الشهداء أو في رغيف الحرية ومواجهته للغاصب، أو في حالة العقم،جاءت تلك الصور وأكثر من خلال لقطة شفافة لا تثقل على القارىء
كما واستخدم لغة الجسد كما في قصة "أنين"و"الغد المأمول" "
ولنا أن نقرأ من مضامين وفحوى القصص وكأنّ الأديب يقول هذا هو وطني الجميل
لا تسكنه الراحة بل عواصف الاحتلال،وجبال الهمّ، يصرخ الوطن من شدّة معاناته فمن سيسقيه حليب الحب؟ففي وصفه عن وضع القدس يقول في نص"شقاء" "المتمسحون بها كثيرون والحب قليل"
وبالرغم من الأحزان فإن الحب ينتصر ويمنح شعاع الأمل
يقول في قصة "الكلمة الطيبة"واصلنا في الوقت نفسه النظر إلى الحب الذي في داخلنا يهبنا الدفء والأمل"
أجد هنا رسالة الحب التي تجمع المجتمع وتقويه رغم الصعاب