الجديد في التعقّب هو أنّه يُستخدَم لتعقب الجمهور الاسرائيلي، ولو لم يكن كذلك لما اكترث له الراي العام الاسرئيلي لدرجة التوجه نحو اقامة لجنة تحقيق رسمية واعتبارها زلزالا مدوّيا.
إنه يذكّر بالرصاصات الطائشة التي مسّت بمرافق اسرائيلية في بئر السبع وغيرها، فباتت قضة تشغل دولة بكاملها، وحين كانت تطلق مثيلاتها بين العرب وتقتلهم لم يتصدر الموضوع منصات الاعلام.
استخدام التعقّب والبرمجيات المختلفة يحدث قبل ان يتم برمجة بيغاسوس بكثير، أذكر في أثناء محاكمتي في العام 2010 قدمت النيابة تسجيلات لثلاثة وثلاين ألف (33000) محادثة هاتفية، وأثناء محاكمة الشيخ رائد صلاح في العام 2019 قجمت النيابة تسجيلات لمائة ألف (100000) محادثة.
حاليا لا يزال الشاباك يلاحق النشطاء والناشطات العرب الفلسطينيين الذين شاركوا في هبة الكرامة او المرابطين في السمجد الاقصى، ويتعقب تحركاتهم ويخترق هواتفهم مرسلاً رسائل تهديد نَصيّة، وبالطبع لا يكترث الراي العام الاسرائيلي لكل ذلك.
تعقّب الجمهور الفلسطيني ليس بالمسألة الجديدة بل عمره أطول من عمر الدولة، ففي العام 1942 كانت "ملفات القرى" جاهزة في مقرات قيادات الحركة الصهيونية والتي فيها تعقب لاهالي كل بلدة فلسطينية وعلاقاتهم الداخلية وممتلكاتهم واهتماماتهم وكل التفاصيل الضرورية لتشكل بنية استخباراتية ساعة احتلال هذه القرى وطرد أهلها ونهبها، والذي تمَّ في العام 1948.
تاريخ تعقب الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل هو من هويّة اسرائيل وحزء لا يتجزأ من ماهيّتها ومن تاريخها، سواء خلال الحكم العسكري لغاية العام 1966 ام لغاية اليوم وفي كل مكان وموقع ووسيلة اتصال وتواصل.
اللافت ان جماهير شعبنا الفلسطيني تعاملت مع هذه المسألة كواقع، ولم تتعامل للحظة من باب الهلع، بل من باب الثقة بطريقها الكفاحي واستعدادها للدفاع عن الحق الفلسطيني وبالذات في المراحل التي كان للموقف ثمنا بالتحقيق والملاحقة والاعتقال.
هناك انطباع اعلامي حالي وكأن في الامر جديد، إنها الرواية الاسرائيلية التي شرعنت تعقّب الشاباك للعرب الفلسطينيين ودعت الى ذلك، بينما تقوم الدنيا ولم تقعد لانهم تعقبوا شخصيات اسرائيلية. كما يبدو سوف تكون محاسبة سياسية ولجنة تحقيق رسمية، وقد تكون محاسبة قضائية لقيادات في الشرطة الاسرائيلية وقد يجري منع استخدام التعقب بواسطة تقنية بيغاسوس، الا ان ذلك لا يمت لتعقّب الشاباك للعرب.
من الافضل ان ننشغل بشأننا نحن الضحية جماعيا وفرديا، وليس بالدفاع عن النخب الاسرائيلية التي تملك كل الامتيازات ومواقع القوة، ولا تتورع عن تعقّب حركاتنا وتحركاتنا ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com