لا جديد فيما يحدث في النّقب، فقد مرّ قرن من الزّمن والموضوع ما زال حيًّا. يراها الأهل ملحمة صمود وبقاء ووجود ويراها الاخر ملحمة نجاح أو فشل. على هذه الأرض المعطاءة عاش الاباء والأجداد وفلحوها وزرعوها وأكلوا من قمحها وعدسها وشعيرها، واقتاتت ابلهم وأغنامهم وخيولهم وحميرهم من أعشابها، وفوق رملها وترابها وحصاها غرّدت عصافير الحبّ ولعب الأطفال وزغردت الأمهات. على هذه الأرض تصارع العربيّ مع الطّبيعة القاسية، مع حرارة الشّمس الحارقة ومع برد الليل القارس ومع شحّ المياه ومع الضّباع والذّئاب والأفاعي والعقارب وانتصر عليها وخلق واحات خضراء في قلب البيداء. لو كان حاكمنا في هذا الزّمان تلميذًا لسليمان أو للفاروق لمنحه وسام البطولة كما كتب الصّديق الأديب المجدلاويّ سهيل كيوان، ولكنّ الاخر ينام مع سفر يوشع يا سهيل ويصحو مع التّلمود. والرّب وهبه الأرض، ولا اعتراض على كلمة الرّب. فالتّلمود صريح مثل حرّ الظهيرة في صحراء النّقب: خلق الرّب البشر وخلق ما دون البشر ليخدموا البشر. هؤلاء خلقوا ربّهم ليخدمهم ونحن خلقنا ربّنا لنعبده.
ما اشبه اليوم بالبارحة. هل رمال النّقب حبلى؟ نحن نعيش في زمن حكومة جميع أحزابها تؤيّد الاستيطان في القدس والضّفة الغربيّة والجولان. وجميع أحزابها تؤيّد الاحتلال، وجميع أحزابها تسعى وتعمل كي لا تكون دولة فلسطينّية بين البحر والنّهر ولو صغيرة ومنزوعة السّلاح، وجميع أحزابها علاقتها مع حرف الضّاد تتراوح بين العداوة اللدودة والعلاقة غير الودّيّة، وجميع أحزابها تؤيّد تهويد النّقب، وجميع أحزابها ترى مقاومة الاحتلال ارهابًا. ولا فرق بين من يدّعي اليسار ومن يدّعي الوسطيّة وبين من يتفاخر باليمينيّة..
أحزاب تختلف وتتصارع حول تناول فواكه البحر والسّفر يوم السبت وتتفّق على بناء البؤر الاستيطانيّة في غور الأردن. أحزاب تتفق على أنّ المسجد الأقصى هو "هار هبايت" وتختلف على توقيت البناء.
نحن في زمن صار فيه الاعلام خادمًا أمينًا للعنصريّة، فنائب البرلمان العنصريّ المدعوّ بن غفير هو أكثر سياسيّ يظهر على شاشة التّلفاز الاسرائيليّ.. يظهر يوميًّا في كلّ القنوات. هو نجم الاعلام وحبيبه. كان إسحاق شمير رئيس حكومة إسرائيل، ذو التّاريخ "النّاصع" وصاحب المقولة "البحر هو البحر والعرب هم العرب" كان يغادر قاعة الكنيست احتجاجًا وقرفًا عندما كان النّائب كهانا، معلم بن غفير، يصعد الى المنصّة . أمّا اليوم فحزب إسحاق شمير ينسّق مع بن غفير بعد أن صارا "خوش بوش".
لا نصيب لنا في الاعلام الاسرائيليّ سوى نقطة تنزل من قطّارة تشبه قطّارة الوزيرة شاكيد، مقالات في صحيفة "هآرتس" تكتبها عميرة هس وجدعون ليفي على الرّغم من ضعفه لحفلات أعياد ميلاد السّيدات، ومقالات أخرى يكتبها بعض العقلاء بين حين واخر.
لا جديد فيما يحدث في النّقب سوى البحث عن حلول مؤقّتة لمصّ الغضب العربيّ.. ومنح الحكومة فرصة لتعيش وعند اكتشافها سوف يرقص الّذين يحرّمون الرّقص.
يقلقني أن يندّس الوسواس الخنّاس بين آلاف الشّبان والشّابات في مظاهرات النّقب فيحوّل مظاهراتهم السّلميّة العادلة الى مظاهرات عنيفة ويمنح العنصريّين الفرصة الذّهبيّة كي تكون أناملهم سريعة الضّغط على الزّناد لاصطياد الّذين دون البشر.
وعلى الرّغم ممّا أرى في هذه الأيام الموبوءة فأنّني على ثقة اذا ما صمدنا وتحدّثنا بحكمة بأنّ جيراني المنشغلين اليوم بأخبار الكورونا والّذين يحلمون بشقة سكنيّة والّذين يخطّطون لسفرة الى دبيّ أو تايلاند أو مراكش والّذين نسوا أنّ هناك احتلالًا وابرتهايد على بعد ربع ساعة من بيوتهم هؤلاء لا بدّ أن يصحو من سباتهم.
فلا بدّ أن يبزغ الفجر. وتشرق الشمس وتغرّد البلابل وتسقسق العصافير وتطير الفراشات الجميلة.. لا بدّ ممّا ليس منه بدّ.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com