شهدت مستوطنة اسرائيلية هجوما مسلحا على سيارة أدى الى مقتل مستوطن اسرائيلي وحرج اثنين آخرين، وعلى الفور سارعت وحدة مختصة من الامن الإسرائيلي الى عين المكان، مطوقة المكان ومعلنة منطقة عسكرية.
يأتي هذا الهجوم بعد أن سبقه هجوم آخر منذ اسبوعين على سيارة مستوطنين دخلو الى رام الله بالخطأ على حد قولهم، واستدعى هذا الهجوم الثاني في غضون اسبوعين تدخل وزير الدفاع الاسرائيلي الذي أمر بإرسال تعزيزات عسكرية الى الضفة الغربية لمواجهة التهديدات المتتالية التي يتعرض لها المستوطنون.
تمة هناك أسئلة عديدة حول توقيت العمليتين و مصدرها، حيث أتت العملية الأولى في الفترة التي كانت السلطة الفلسطينية تتأهب لاجراء الانتخابات المحلية، و هذا يفتح الباب للتساؤل فيما اذا كانت هناك جهة تعمل من أجل عرقلة المسار الانتخابي من خلال جر الضفة الغربية الى مواجهة عسكرية مع الاحتلال، كما تفتح عملية أمس تأويلات حول ما اذا كان هذا الهجوم يسعى للتشويش على عمل السلطة، ودفع الاحتلال لتصعيد اللهجة ضد السلطة واتهامها بالتستر على الارهاب ومن ثمة فرضها عقوبات تزيد من تعقيد الوضع الاقتصادي في الضفة، في الوقت الذي تسعى حكومة أشتية الى الاسراع في التعامل مع الوضع المالي الصعب وتسعى الى استغلال الهدوء كعامل لمعالجة العديد من الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
قد يذهب بنا الأمر الى اتهام خصوم السلطة في داخل الضفة والمحسوبين على حماس على محاولة اللعب على الحبلين، حيث وبعد فشلها في تحقيق وعودها لشعب غزة تريد أن تنقل التوتر الى الضفة لتفتح جبهة جديدة تزيد الضغط على الاحتلال وتدفعه الى اعادة حساباته معها، ولا ننسى ان قيادة حماس قد تكلمت سابقا على أن فتح جبهة موازية في الضفة سيخدم القضية الفلسطينية ويدعم المقاومة نظرا لانها ستشكل تهديدا أمنيا مباشرا ضد الإحتلال.
مما لا شك فيه ان الرسائل التصعيدية الأخيرة الصادرة من حماس والمهاجمة للسلطة ولمصر لا تدع مجالا للشك في ان الأطراف التي تقف وراء هذه الاحداث تحركها أجندة حاقدة على السلطة أكثر من حقدها على الاحتلال، ومحاولة لإفشال نتائج الاستحقاق الانتخابي وخلط أوراق السلطة الفلسطينية بجعلها على تماس مباشر مع الاحتلال، وبحرمانها من الهدوء النسبي الذي تنعم به مدن الضفة بالرغم من تسجيل بعض المناوشات بين الحين والآخر مع سلطات الاحتلال.
إن الهدف من جر الضفة الغربية الى توتر جديد هو محاولة ايجاد ذريعة لفتح جبهة عسكرية ضد الاحتلال وتوظيف السلطة الفلسطينية كطرف فيها، في توقيت لا يخدم مصالح الضفة ويزيد من تعقيد الوضع في القطاع المخنوق أصلا .ترى الأطراف المعادية للسلطة أن التصعيد في الضفة هو الحل الوحيد الذي يمثل طوق نجاة لها، اذ انه سيدفع بالاحتلال الى اعادة قراءة حساباته من تعثر المفاوضات، ويغير من مواقفه من السلطة فيما اذا انجرت الى تصعيد، وهو في نفس الوقت فرصة لجر هذه الأخيرة الى ضرب نجاحها في الانتخابات و خلط لأوراق أولوياتها، بضرب عامل الاستقرار، ولهذا فإن المتسبب في استهداف المستوطنين يسعى جاهدا الى ردة فعل اسرائيلية تفتح الباب لمواجهة عسكرية مثل التي سبقتها في الصيف الماضي، من دون أن يضع في الحسبان أن الوضع التجار الذين استفادوا من الإجراءات الاخيرة بتخفيف قيود التنقل من غزة الى الضفة، سيتأثر بشكل مباشر، كما ان الاحتلال قد يلغي تصاريح العمل، وهذا ما سيؤدي الى المزيد من المعاناة و الخسائر فيما اذا حدث تصعيد آخر .
ينبغي أن تتعامل السلطة الفلسطينية بحذر مع محاولات جر الضفة الى مواجهات مع الاحتلال وأن تتعامل مع المستجدات التي قد تحدث في نابلس بحذر شديد، وبأن توجه رسالة لخصومها بأن خطة جر الضفة الى التوتر قد فشلت، فالضفة ليست محتاجة لمواجهة مع الاحتلال بقدر ما هي محتاجة الى تحسين الاوضاع المعيشية للفلسطينيين ورفع الغبن عنهم.
ان الافلاس الذي وصلت اليه سياسات حماس تدفعها الى الذهاب في تصعيد جديد عبر بوابة الضفة ليس خدمة لمصالح الفلسطينيين والقضية وانما للتشويش على عمل السلطة، وربما تمهيدا لتصعيد عسكري جديد تبدأ شرارته في الضفة ويشتعل لهيبه في القطاع، خاصة وان حماس قد حرقت كل أوراقها وخسرت رهاناتها في الخروج بنصر استراتيجي بعد الحرب الأخيرة، هذا الإفلاس سيقودها لحرق الأخضر واليابس من دون أن تأبه لما حصل وسيحصل من معاناة في غزة ..