الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 04:01

لننتصر على هتلر/ بقلم: نبيل عودة

نبيل عودة
نُشر: 04/10/21 07:57,  حُتلن: 08:59

مؤلف الكتاب "ابراهام بورغ" هو انسان غير عادي، والده يوسف بورغ كان قائدا للحزب الوطني الديني (المفدال) ووزيرا في حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ العام 1951 وحتى العام 1988، كان عضوا في الكنيست الأولى وحتى الكنيست الحادية عشرة، حين خرج للتقاعد ... وهو من المهاجرين اليهود الألمان الذين وصلوا فلسطين منذ العام 1939. ابنه ابراهام بورغ يتمتع بسيرة حياة مثيرة أيضا. كجندي احتياط، انضم ونظم بعد الحرب اللبنانية الأولى، وما خلفته من مذابح ضد الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا (1983) حركة احتجاج واسعة جدا، ونجحوا بتحريك احتجاج جماهيري لم تشهد اسرائيل مثيلا له من قبل أو من بعد. اذ نظموا مظاهرة احتجاجية شارك فيها 400 الف انسان .. وبدأ نجم بورغ بالسطوع السياسي . بدأ طريقه بمعية شمعون بيرس (حزب العمل).. ثم سطع نجمه كقائد لجيل الشباب في حزب العمل، انتخب للكنيست، واختير كرئيس للوكالة اليهودية، وعاد فيما بعد للنشاط السياسي، وانتخب رئيسا للكنيست، وكان مرشحا لقيادة حزب العمل، والمنافسة على رئاسة الحكومة، حين ترك فجأة العمل السياسي، واتجه للأعمال الحرة. مواقفه السياسية كانت عكس تيار الاحتلال والتمييز ضد المواطنين الفلسطينيين في اسرائيل لدرجة نه اقترح الغاء قانون الهجرة (قانون العودة) الذي يخص اليهود بسبب عنصرية هذا القانون. يعتبر قانون الهجرة او العودة اليهودية الى اسرائيل، كل يهودي يجئ الى اسرائيل مواطنا كامل الحقوق، يتمتع بكل المخصصات والخدمات التي توفرها الدولة لمواطنيها، حتى أكثر من حقوق العرب في اسرائيل. يمنحون بيوتا وتأمينات اجتماعية وعمل وعلاج طبي .. الخ.

يتناول كتابة واقع المجتمع الاسرائيلي (اليهودي على وجه التحديد) بعد أكثر من 60 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية، اعيد نشر مقالي عن كتابه، لان ما حذر منه بورغ وانتقده ونشط من اجل تغييره، أصبح أكثر قوة وسيادة في المجتمع اليهودي في اسرائيل، خاصة في فترة حكومات اليمين بقيادة نتنياهو!!

اعيد نشر هذا المقال من رؤيتي ان اهميته تزداد مع الوقت، بل وتصبح أكثر ملحة اليوم والمجازر ترتكب ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية!!

*****

يكتب بورغ: " اسرائيل، الثورية الفتية المليئة بالحياة، تحولت الى متحدثة باسم الأموات، دولة تتحدث باسم كل أولئك غير الموجودين، أكثر مما تتحدث باسم كل أولئك الموجودين. واذا كان هذا لا يكفي ، الحرب حولتنا ، بدون ارادتنا ، من ظاهرة شاذة ، لنصبح قاعدة الشواذ نفسه . طريقة حياتنا قتالية مع الجميع، مع الأصدقاء ومع الأعداء. قتال مع الخارج وقتال مع الداخل، يمكن القول، ليس بتوسع أو بشكل مجازي، انما بحزن وثقة، ان الاسرائيلي يفهم فقط ... القوة.

هذا الوضع بدأ كحالة استعلائية اسرائيلية امام عجز العرب من التغلب علينا في ساحات الحرب، واستمر كإثبات للكثير جدا من التصرفات والقناعات السياسية، التي لا يمكن قبولها في عالم سوي. كل دولة تحتاج الى قوة بدرجة معقولة. الى جانب القوة تحتاج كل دولة ايضا الى سياسة وقدرة نفسية على لجم القوة . لنا توجد قوة . الكثير من القوة وفقط قوة. لا يوجد لنا أي بديل للقوة ، ولا نملك أي فهم أو ارادة عدا ان نجعل القوة تتكلم .. " واعطاء جيش الدفاع الاسرائيلي لينتصر". في نهاية الأمر حدث لنا ما يحدث لكل ممارسي العنف والبلطجية في العالم : شوهنا التوراة وشوهنا مفاهيمنا ولم نعد قادرين نحن انفسنا على فهم أي شيء آخر عدا لغة القوة . حتى على مستوى علاقة الزوج بزوجته ، وعلاقة الانسان بصديقة ، وعلاقة الدولة بمواطنيها ، وعلاقة القادة ببعضهم البعض . ان الدولة التي تعيش على حرابها، والتي تسجد لأمواتها، نهايتها، كما يبدو، ان تعيش بحالة طوارئ دائمة، لأن وجهة نظرها أن الجميع نازيون، كلهم ألمان، كلهم عرب، كلهم يكرهوننا والعالم بطبيعته كان دائما ضدنا".

هذا مقطع من الكتاب المثير، والذي أحدث عاصفة وهزة عميقة للغاية في المجتمع الاسرائيلي عند نشره، أشغلت وسائل الاعلام والمعلقين واصحاب الرأي والفكر، ومتوقع ان يواصل هذا الكتاب استفزازه، عبر توجيه صفعات اليمة، للكثير من المسلمات التي بدأ المجتمع اليهودي في اسرائيل يتعامل معها كقوانين للحياة لا يجوز اختراقها، أو التشكيك فيها. او التفكير بصياغات اخرى بديلة.

كتاب بورغ المثير للجدل في المجتمع الإسرائيلي هو كتاب "لننتصر على هتلر" ، يقول بورغ أنه استغرقه عشر سنوات لإنجازه .

قراءة الكتاب تكشف اسباب هذا الوقت الطويل الذي استغرقت بورغ كتابته ، الكتاب ليس مجرد ببلوغرافيا لشخصية سياسية مؤثرة ، ويمكن اعتباره ببلوغرافيا فكرية . انه حساب قاس مع النفس، مع المجتمع، مع التاريخ، مع الأخلاق، مع الفكر، مع المفاهيم ومع الممارسات السياسية.

الكتاب جريء في طرحه للحقائق عن الواقع الاسرائيلي، والمجاهرة بنقد المقدسات والمواقف النهائية والايمانية للمجتمع الاسرائيلي، التي كانت تبدو أزلية، وعليها شبه اجماع قومي من اليمين حتى اليسار، من معسكر السلام وحتى سوائب المستوطنين.

ما لفت انتباهي للكتاب ليس فقط ما أثاره من النقد الواسع، وبعضه عنيف ضد المكاشفة الجريئة والقاتلة في الكثير من تفاصيلها، التي قام بها بورغ في كتابه، انما أيضا ما قاله في مقابلاته التلفزيونية، مفسرا تحول مفاهيمه، أو طرحه لتجربته الحياتية والسياسية. قال، وهذا النص ايضا مسجل في كتابه: "انا انسان، وانا يهودي (بورغ يهودي متدين) وانا اسرائيلي. الصهيونية كانت أداة لنقلي من حالة التراكمية اليهودية الى حالة التراكمية الاسرائيلية. وأعتقد أن بن غوريون (أول رئيس لحكومة اسرائيل) هو القائل ان الحركة الصهيونية كانت دعائم لإقامة البيت القومي، وانه بعد اقامة الدولة، يجب فكها".

اذن هل تخلى بورغ عن يهوديته ( كمتدين ) وعن قومته الاسرائيلية كوطني اسرائيلي؟! وهي اسئلة طرحت عليه عبر المقابلات التلفزيونية وعبر ما نشر من مراجعات لكتابه المذهل في صراحته .

أجاب : اليهودية السائدة اليوم هي اليهودية الحريدية (السلفية المتعصبة) وأنا لست كذلك ، والقومية اليهودية السائدة اليوم هي قومية المستوطنين ، وانا لست منهم ".

بورغ متهم في العاصفة التي أثارها كتابه ، انه لم يعد صهيونيا.. وذلك على ضوء ما كتب: " في المؤتمر اليهودي الأول انتصرت صهيونية هرتسل على صهيونية أحاد هعام علينا ان نبقي هرتسل وراءنا ، وأن ننتقل الى أحاد هعام " .( احاد هعام - 1856 – 1927 - اسم ادبي لكاتب يهودي روسي ، كانت رؤيته ان اليهودية تعني المصداقية والاستقامة في التعامل مع كل انسان ، وان تبني مجتمعا يشكل نموذجا لسائر الشعوب ، وان تكون مركز روحي لليهودية المتجددة ، والاستقامة والعدل)

احاد هعام ، يكتب بورغ : " اتهم هرتسل بأن كل صهيونيته مصدرها باللاسامية ، بينما أحاد هعام فكر باتجاه آخر، فكر بإسرائيل كرمز فكري، اتجاه أحاد هعام لم يمت، والآن حان وقته"، ويحذر بورغ من اليهودية والصهيونية السائدتين في اسرائيل ، ويصفهما بانهما "مليئتين بالمصائب " .

من المواضيع المثيرة في كتاب بورغ ، رفضه لصيغة دولة يهودية ، جاء في كتابه : " ان تعريف دولة اسرائيل كدولة يهودية ، هذه بداية نهايتها . دولة يهودية يعني قنبلة، مواد تفجير".

ويرفض بورغ النشيد القومي : " النشيد القومي رمز، انا على استعداد لقبول واقع ان كل شيء جيد وفقط النشيد القومي سيء".

ومن المواضيع البارزة في الكتاب ، دعوة بورغ لفك الوكالة اليهودية ، وتغيير قانون العودة . يكتب حول قانون العودة: " يجب طرح الموضوع للنقاش. قانون العودة هو قانون يفتقد للاستقامة ، هو نسخة مشابهة لهتلر. انا لا أريد ان يعرف لي هتلر هويتي. كشخص دمقراطي وانساني، هذا القانون يضعني في تناقض، قانون العودة يباعد بيننا وبين يهود المهجر وبيننا وبين العرب ".

وعن الوكالة اليهودية يقول: "منذ كنت رئيسا للوكالة اليهودية ، اقترحت تغيير اسمها من الوكالة اليهودية لأرض اسرائيل الى الوكالة اليهودية للمجتمع الاسرائيلي" ... "ويجب أن يكون بمركز نشاطهم تقديم الخدمات لكل مواطني اسرائيل، بما في ذلك العرب " .

ويكتب عن حرب لبنان: " انظروا الى حرب لبنان ، عاد الشعب من ساحة الوغى . كانت انجازات معينة . كانت قصورات معينة . كشف عن امور عدة . كنت اتوقع من وزراء واشخاص من اليمين ان يفهموا ، انه عندما نعطي لجيش الدفاع الاسرائيلي أن ينتصر ، فهو لا ينتصر . القوة ليست هي الحل . وفي هذا الوقت لدينا مشكلة في غزة ، ما هو الحديث عن غزة ؟ ان ندخل بهم ، نمحوهم . لم نستوعب شيئا . لا شيء . وهذا ليس فقط في المستوى بين شعب وشعب آخر. أنظر للعلاقات بين الانسان وصديقة. أنصت للحديث الشخصي ، الارتفاع بالعنف في الشوارع ، أحاديث النساء المضروبات ، أنظر الى صورة وجه اسرائيل".

ويكتب عن الاحتلال:" الاحتلال هو جزء صغير من الوضع. اسرائيل مجتمع خائف. من أجل الأعلى، جنون القوة وقلعها، يجب معالجة المخاوف. والخوف الأعلى ، الخوف القديم ، هو ستة ملايين يهودي الذين قتلوا بالكارثة ."

ويكتب بورغ بانه عندما كان رئيسا للكنيست: ".. استمعت الى الأحاديث ، وقمت بالحديث بعمق مع أعضاء الكنيست من جميع الاتجاهات . سمعت رجال سلام يقولون انهم يريدون السلام لأنهم يكرهون العرب ولا يستطيعوا رؤيتهم او تحملهم . وسمعت أشخاص من اليمين يتفوهون مثل جماعة كهانا ( مئير كهانا ، عنصري متطرف معاد للعرب ، منع من الوصول للكنيست ، قتله فلسطيني في الولايات المتحدة ، جماعته من أشرس وأسفل المجموعات الاستيطانية ، وينادون بترحيل العرب من مواطني اسرائيل والمناطق الفلسطينية – ورثائه دخلوا الكنيست في الانتخابات الأخيرة وهم حلفاء لنتنياهو) الكهانية موجودة في الكنيست ، رفضوها كحزب ، ولكن حوالي 10 أو 15 وربما 20 % من الحديث اليهودي داخل الكنيست ، هو حديث غير سهل ... مليء بالفقاقيع."

هذه لمحة صغيرة من نبوءة ابراهام بورغ المرعبة للكثيرين من العنصريين ومعتمدي سياسة القوة ، والذين على قناعة مرعبة بأن القوة هي الحل الوحيد ، وباتوا أسرى تفكيرهم المحدود والمغلق ، دون القدرة على رؤية بدائل أخرى للتعامل ..

الكتاب لا يهادن وجريء في تناوله لأهم القضايا وأكثرها حساسية ، والمكاشفة بصراحة غير معهودة ، خاصة من شخصية وصلت الى قمة السلطة في اسرائيل . ولا يتردد في القول انه لا يشعر باي انتماء للجمهور المتدين الذي جاء منه ، " انا لا أنتمي اليهم " يقول بوضوح . ويهاجم التيار العلماني ويتهمه أنه أسير تعصبه القومي .

ولا يتردد في مطالبة اسرائيل بالتخلي عن سلاحها النووي .. والكاتب لا يتردد بإجراء مقارنة دائمة في كتابه بين اسرائيل والمانيا النازية، وربما ليس بالصدفة ان الاسم الأول للكتاب، خلال فترة اعداده، كان " هتلر انتصر " يقول: " انا موافق انه يوجد مصاعب، ولكن هل هي مصاعب مستحيلة؟ هل كل عدو هو اوشفيتس؟ هل كل حماس هي عدو"؟

ومع ذلك بورغ متفائل، ولا ينفي امكانية عودته للسياسة، ويقرر انه في عام 2010 فقط ستبدأ سياسة جديدة في اسرائيل، بعد ان ينتهي دور جيل أولمرت – براك، سيجيئ جيل من مجال الاقتصاد، من الأكاديميا، ومن الفن، ربما عندها سيكون لي مكان " كما يقول بورغ .

لكننا نعرف ان الجيل الذي جاء كان عكس تفكير بورغ !!

عنوان الكناب " لننتصر على هتلر "، تنكشف رمزيته بأن النصر الذي يريده بورغ هو نصر على هتلر الاسرائيلي الذي يعتمد لغة القوة في كل ما ينهج. 

مقالات متعلقة

.