وكأن القضية الفلسطينية قد طوت ملفاتها، وباتت شأناً إسرائيليا ًداخلياً، لا تشغل بال نفتالي بينت وحكومته، فهناك قضايا أهم من القضية الفلسطينية مثل فايروس كورونا الذي قتل آلاف الإسرائيليين، واستحوذ على ثمانية دقائق من خطاب بينت، وهناك قضايا أبعد مدى من أرض الضفة الغربية التي فرض عليها نفتالي بينت سيادة دولته، وهناك إيران والبرنامج النووي، الذي استحوذ على الجزء الأهم من الخطاب، وهناك تنظيمات فلسطينية ولبنانية وعربية مخيفة لإسرائيل، توجب أن يستحضرها في خطابه، وهناك علاقات تطبيع مع عدة دول عربية، لذلك تحدث بينت في كل القضايا التي تقلق دولته، وتشغل بال المجتمع الإسرائيلي، إلا القضية الفلسطينية، التي أمست مقترنة بالتنسيق والتعاون الأمني والمساعدات المالية للسلطة.
فكيف قدم نفتالي بينت دولته إلى العالم؟
بدأ بنيت خطابة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة متفاخراً بدولته، فقال: إسرائيل منارة في بحر هائج من الظلام، إنها شعلة الديمقراطية المتجددة في المنطقة، إسرائيل دولة مبتكرة بطبيعتها، وتسهم في تطور العالم، رغم أنها تعيش في أصعب بقعة على وجه الأرض، وبلغ قمة الدجل حين قال: اسرائيل معجزة النهوض اليهودي.
هذ التفاخر بدولة إسرائيل يهدف إلى الربط الوثيق بين الديانة والدولة، وهو صلب فكرة الدولة اليهودية النقية من الشوائب، دولة يهودية تسعى لأن تكون محور الكون، ونقطة التقاء الأمم.
ألقى بينت خطابة بالإنجليزية، ومع ذلك قال باللغة العبرية الجملة المشهورة لدى اليهود: "شعب إسرائيل حي"، وطالما كان شعب إسرائيل حي، فأرض إسرائيل لشعب إسرائيل، ولا داعي ـ ضمن هذا المنطق ـ لأي حديث عن القضية الفلسطينية، أو التطرق لحل الدولتين، أو حتى عن حكم ذاتي للفلسطينيين، فدولة إسرائيل اليهودية هي قلب الشعب اليهودي النابض، الشعب الذي يكره العدوان كما قال بينت، وأضاف مبرراً المجازر التي يقترفها الصهاينة، فقال: لقد تعرف العالم على إسرائيل لفترة طويلة من خلال الحروب مع الجيران، لكن هذا ليس جوهر دولة إسرائيل. هذا ليس جوهر شعب اسرائيل.
فما هو جوهر إسرائيل، وهل انتهت حروبها في الشرق؟
لقد حاول بينت أن يقدم إسرائيل عاشقة للسلام، وأن الإسرائيليين لا يفكرون في الصراع، وأن الحروب فرضت عليهم، وهم يدافعون عن أطفالهم، وقال: إن الخلافات في الرأي والمناقشات الداخلية مبدأ أساسي في التقاليد اليهودية، وأحد أسرار نجاح الأمة الناشئة. لقد أثبتنا أننا قادرون على الجدال فيما بيننا دون كراهية، وفي هذا التفاخر بالكيانية الصهيونية الديمقراطية تحقير لأنظمة الحكم العربية، وما تعانيه من انقسامات داخلية، وصراعات عنيفة.
فما الذي يقلق دولة نفتالي بينت؟
ادعى بينت إن دولته محاطة بحزب الله والجهاد الإسلامي وحماس، وهؤلاء يسعون للسيطرة على الشرق الأوسط، ونشر الإسلام المتطرف في جميع أنحاء العالم، وتساءل بينت: ما الذي يجمعهم جميعًا؟ الكل يريد تدمير بلدي، وكلهم مدعومون من إيران، وكانت هذه المقدمة هي المدخل لهجوم بينت على إيران العدو المرعب لإسرائيل.
بدأ بينت حديثه بالربط بين التجويع والحصار الذي تتعرض له بعض الدول العربية وبين العلاقة مع إيران، لذلك ادعى أن كل مكان تلمسه إيران، يصاب بالجوع والتخلف والمعاناة، متجاهلاً دور إسرائيل وأمريكا وعملائهم في حصار غزة ولبنان واليمن والعراق وإيران.
لقد سعى بينت إلى التحريض على إيران حين قال: إن عدة دول تعرضت للهجوم من طائرات إيرانية دون طيار، أو من سفن إيرانية، وأضاف: تخطط إيران لتسليح فروعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان بمئات، ثم آلاف الطائرات الفتاكة بدون طيار، والتجربة تبين لنا أن ما يبدأ في الشرق الأوسط لا ينتهي عند هذا الحد.
هاجم بينت الرئيس الإيراني، وحرض عليه شخصياً، قبل أن يتحدث عن البرنامج النووي الإيراني، فقال: قفزت إيران في مجال البحث والتطوير النووي، وفي قدراتها الإنتاجية والتخصيب، البرنامج النووي الإيراني تجاوز الخطوط الحمراء، إيران تنتهك اتفاقيات الدفاع للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتتهرب من العقوبة. إنهم يضايقون المفتشين، ويخربون تحقيقاتهم، ويتفادون العقاب، إنهم وصلوا إلى مستوى 60٪ من التخصيب.
وأضاف "هناك أدلة تثبت بشكل واضح نية إيران إنتاج أسلحة نووية في مواقع سرية في توركوز وظهران وماريغان، لكن يتم تجاهلها، فبرنامج إيران النووي وصل إلى حد النهاية، وكذلك تسامحنا وصل خط النهاية، وأضاف مهدداً بعمل عسكري: الكلمات لا توقف دوران أجهزة الطرد المركزي، إسرائيل لن تسمح لإيران بالحصول على اسلحة نووية.
فكيف سيكون ذلك؟
واصل بينت التحريض على إيران، بصفتها مصدر القلق والخوف، فراح يصفها بأوصاف تطمئن حلفاءه، وتشجعهم على العدوان ضد إيران، فقال: أريد أن أخبركم بشيء: إيران أضعف بكثير، وأكثر عرضة للخطر مما تبدو عليه، اقتصادها ينهار، ونظامها فاسد، ومنفصل عن جيل الشباب، والحكومة الفاسدة تفشل حتى في توفير المياه لأجزاء كبيرة من البلاد، وكلما أصبحوا أضعف، أصبحوا أكثر تطرفا، فإذا كنا جادين فإننا سنربح المعركة، وهذا ما سنفعله!
فمن الذي سيفعل ذلك؟ وهل سيكون بينت وجيشه رأس حربة الهجوم على إيران؟
الجواب ورد في خطاب نفتالي بينت، وهو يشيد بالتطبيع مع بعض الدول العربية، ويشيد بالاتفاقيات الإبراهيمية التي امتدحها كثيراً، وجعل منها الحليف الاستراتيجي لدولته، وأنها القاعدة الأنسب لانطلاق هجوم الدول متعددة الجنسيات ضد إيران، وكل ذلك بدعم من الحليف الأمريكي، هذا الحليف الذي لن يتخلى عن إسرائيل، كما قال نفتالي بينت.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com