سحبني تفجير البرجين في 11/9/2001 منذ عشرين عاماً مع طلاّبي الجامعيين عبر تحليل الصورة الخبرية في الإعلام السياسي ، إلى الغوص في منطلقات التفجير الأولى وتوصّلنا إلى وضع مئة سؤآل تمّت مناقشتها للإحاطة بهذا الحدث الضخم الذي هزّ الدنيا وزلزل مفاهيم العظمة الدولية والتاريخية. أستعيد هذا وفي الذهن آلاف الصور والأسئلة التي غطّت العالم وجمّدت العيون والإنتباه العالميين وأبقتها وستبقيها حافلة بعلامات الإستفهام في التفجير أوّلاً وفي قيامة الولايات المتّحدة الأميركية العسكرية قيامتها على الإرهاب من أفغانستان 2003 ثمّ الإنسحاب الأميركي 2021 الذي يراكم الكتابات والتعليقات والأفلام وألوف الأسئلة في التغيير والتحرير المتشابكة والمتناقضة التي تشغل رأس الدنيا وخصوصاً البلاد الإسلامية والمسلمين في العالم.لا مكان لهذه الأسئلة المئة التي شكّلت بمناقشاتها وأبحاثها مخطوطاً جامعياً حمل غلافه صورة البرجين وتحتها عنوان بالخط الأحمر العريض "صورة القرون القادمة والأسئلة المبهمة في العلاقات الدولية".
لا قيمة كبيرة للأجوبة لأنّها من النوع الذي يُفرّخ الكثير من الأسئلة، وتضيع أو تتعطّل بوصلات التفكير والتوجّهات، لكن عندما سئل الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، مثلاً، عن شعوره بما حدث مباشرةً بعد تفجير، أجاب، وكان في زيارة صباحية لمدرسةً :
" في التاسعة صباحاً، كنت جالساً في الخارج ومستعداً لدخول قاعة الدروس في فلوريدا، ورأيت على التلفزيون الطائرة الأولى وهي تصطدم بالمبنى. وقتها قلت في نفسي: يا له من حادث رهيب. حسناً لدينا طيار واحد فظيع".
يومها استغرب العالم ردة فعل بوش الشاحبة اللامبالية، وإعتُبرت ملامحه وحتّى جوابه من المشاهد المحيّرة الأكثر ملامةً الذي فاض بالأسئلة الكثيرة التي استغرقت فيه الصحافة والرأي العام العالمي إلى درجة الظنّ أو التكهّن بالتورط الدولي العظيم في التفجير الاعظم، خصوصاً وأنّ الرئيس لقد كرّر جوابه وبصيغٍ متقاربة وفي أكثر من مناسبة. لربّما هكذا تكون ردود فعل رؤوساء الدول عندما يشعرون حيال حدثٍ أو سقطةٍ ما تُفاجئهم ولم يكونوا يحيطون أو يعلمون بها، أن بساطاً ما قد تمّ سحبه من تحت أرجلهم، والتاريخ مليء بأمور من هذا النوع في تنازع السلطات في معظم دول العالم الديمقراطي أو غير الديمقراطي صغيرةً أكانت أم كبيرة وعُظمى.
كانت تقفز الأسئلة الكثيرة هناك ومنها مثلاً: كيف تمكن الرئيس من رؤية هذا الحدث مع ان الفيديو الوحيد الذي اُلتقِط وقتها كان من كاميرا فيديو عادية، كما ان هذا الشريط بُثّ لأول مرة بعد مرور 15 ساعة تقريباً على التفجير، وحتّى عندما سُئل عن الكيفية التي رأى فيها اصطدام الطائرة الأولي ببرج التجارة الاول، أجاب عنه الناطق بإسم البيت الأبيض:
A White House spokesperson said that the president"s comment was "just a mistaken recollection" .
أيأنّ الرئيس إلتبس عليه الأمر وخانته الذاكرة.
بعد خمسة أيّام على التفجير( 16/9/2001) قال الرئيس الأميركي:
"لا أحد كان بإمكانه أن يتخيّل بأن الإنتحاريين المقيمين في مجتمعنا سيُحلّقون بطائراتهم ويفجّرونها في أبنيةٍ مليئة بالناس الأبرياء ولا يشعرون بالندم، لم اكن اتخيل ابداً انه كان يمكن مهاجمتنا بهذه الطريقة".
وكانت كوندوليزا رايس آنذاك مستشارة الأمن القومي ووزيرة الخارجية سبّاقةً بالتعليق على محطّة ال سي.بي.أس بقولها:
"لا أعتقد ان أي شخص كان بإمكانه التكهّن او التنبوء بحدوث مثل ذلك، يستخدمون الطائرة المختطفة كصاروخ "، حتّى أنّ رئيس القوات الجوية الجنرال ريتشارد مايرز رفض جازماً الإعتراف ب"الحدث الذي يتجاوز تفكيرنا"(23/10/01).
لنعترف بأنّ السؤآل التاريخي:من وراء تفجيرالبرجين؟ قد وجد أجوبته المتنوعة الأماكن والأحداث إذ كان وربّما ما زال ولم ولن تُفضي إجاباته المتلونة والمتحيّرة سوى إلى أزمنة أو قرون جديدة متنامية ومستمرة في الحروب على الإرهاب.
وعلى الرغم من أنّ التفجير قد حصل في أميركا، وتعدّدت الكتابات والسياسات بشأنه، ولكنّه أصاب الإسلام في أفغانستان وكذلك العرب في بلاد الشام وخصوصاً في العراق ودار دورةً لم تتلاشى بسهولة شملت كلّ الدول التي غطست في ما سُمّي بالربيع العربي. وإنعكس هذا الإنقسام والإرهاب التكفيري الذي فاق التصوّرعلى المجتمعات الإسلامية الأخرى التي وجدت نفسها مقيمةً في قلب هذه الصراعات. لم يتردّد الكثير من المسلمين في العالم وهم تحت العين العالمية، تعويضاً عمّا هم فيه من ضياع وقلق وتحديات، من إظهار البهجة أو إضمار الشرّ بمناخات "الجهاد" وإشعال اليقظات الدينية المكبوتة كلّها بحثاً عن هويّة جديدة مزعومة للإسلام الإمبراطوري الجديد الذي أجازف بتسميته مستحيلاً.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com